والإشارة في الآية أن نوح الروح لا يؤمن من قومه إلا القلب والسر والبدن وجوارحه، فأما النفس فإنها لا تؤمن أبداً اللهم إلا نفوس الأنبياء وخواص الأولياء، فإنها تسلم أحياناً دون الإيمان وحال النفوس كأحوال الأعراب، كقوله تعالى :﴿قَالَتِ الاعْرَابُ ءَامَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَـاكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَـانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات : ١٤) فإن معدن الإيمان القلوب ومظهر الإسلام النفوس، لأن الإسلام الحقيقي الذي قال تعالى فيه :﴿أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَه لِلاسْلَـامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ﴾ (الزمر : ٢٢) هو ضوء قد انعكس من مرآة القلب المنور بنور الإيمان فأما إسلام الأعراب إذ قال تعالى لهم :﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الايمَـانُ فِى قُلُوبِكُمْ﴾ (الحجرات : ١٤) لم يكن ضوأ منعكساً من مرآة القلب المنور ولكن هو ضوء منعكس من النور المودع في كلمة التوحيد والأعمال الصالحة عند إتيانها بالصدق علم أن إيمان الخواص ينزل من الحق تعالى بنظر عنايته على القلوب القابلة للفيض الإلهي بلا واسطة وإيمان العوام يدخل في قلوبهم من طريق الإقرار باللسان والعمل بالأركان ﴿فَلا تَبْتَـاـاِسْ﴾ على نفوس السعداء بما كانوا يفعلون من أعمال الشر فإنها لهم كالجسد للأكسير ينقلب ذهباً مقبولاً عند طرح الروح فلذلك تنقلب أعمال الشر خيراً عند طرح التوبة عليها كما قال تعالى : أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات ولا تبتئس على نفوس الأشقياء بما كانوا يفعلون لأنها حجة الله على
١٢٢
شقاوتهم وبتلك السلاسل يسحبون في النار على وجوهم كذا في التأويلات النجمية.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٠
﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ (ون فائده دعوت از ايشان منقطع كشته زمان نزول عذاب در رسيد حكم شدكه أ : ي نوح ميان اجتهاد دبربند وبساز كشتى را) والأمر للوجوب إذ لا سبيل إلى صيانة الروح من الغرق إلا به فيجب كوجوبها.
واللام إما للعهد بأن يحمل على أن هذا مسبوق بالوحي إليه أنه سيهلككم بالغرق وينجيه ومن معه بشيء سيصنعه بأمره تعالى ووحيه من شأنه كيت وكيت واسمه كذا وإما للجنس، والصنعة بالفارسية (كاركردن) والمراد ههنا نجر الخشب أي : نحته ليتحصل منه صورة السفينة بأعيننا العين ليست من الآلات التي يستعان بها على مباشرة العمل بل هي سبب لحفظ الشيء فعبر بها عنه مجازاً وجمع العين لجمع الضمير والمبالغة والكثرة أسباب الحفظ والرعاية فالأعين في معنى محفوظاً على أنه حال من فاعل اصنع، أي : اصنعه محفوظاً من أن يمنعك أحد من أعدائك عن ذلك العمل وإتمامه ومن أن تزيغ في صنعته عن الصواب.
وقال الكاشفي :(بأعييننا بنكاه داشتن ما يا باعين ملائكة كه مدد كار وموكل تواند) يقول الفقير : الأول أنسب لما في سورة الطور من قوله تعالى : واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا}(الطور : ٤٨) أي : في حفظنا وحمايتنا بحيث نراقبك ونكلؤك واتحاد القضية ليس بشرط ﴿وَوَحْيِنَا﴾ إليك كيف نصنعها وتعليمنا وإلهامنا، أي : موحى إليك كيفية صنعتها.
قال ابن عباس رضي الله عنهما : لم يعلم كيف صنعة الفلك فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر بالفارسية (ون سينه مرغ وبراو) فأخذ القدوم وجعل يضرب ولا يخطىء (ودر اخبار آمده كه نوح عليه السلام وب كشتى بطلبيد فرمان برسيد تادرخت ساج بكاشت ودرمدت بيست سال كه درخت برسيد مطلقاً هي فرزند متولد نشد تا اطفال قوم بالغ شدند وايشان نيز متابعت آبا كرده از قبول دعوت نوح أبا كردند س نوح بساختن كشتى اشتغال فرمود) ونحتها في سنتين واستأجر أجراء ينحتون معه، وقيل في أربعمائة سنة.
ومن الغرائب ما في حياة الحيوان من أن أول من اتخذ الكلب للحراسة نوح عليه السلام قال : يا رب أمرتني أن أصنع الفلك وأنا في صناعته أصنع أياماً فيجيئون بالليل فيفسدون كل ما عملت، فمتى يلتئم لي ما أمرتني به قد طال عليّ أمري؟ فأوحى الله تعالى إليه يا نوح اتخذ كلباً يحرسك فاتخذ نوح كلباً، وكان يعمل بالنهار وينام بالليل فإذا جاء قومه ليفسدوا بالليل ينبحهم الكلب فينتبه نوح عليه السلام فيأخذ الهراوة ويثب إليهم فينهزمون منه فالتأم ما أراد وفعل السفينة برشاد.
وفي المثنوى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٣
قابل تعليم وفهمست اين خرد
ليك صاحب وحى تعليمش دهد
جمله حرفتها يقين از وحى بود
اول أو ليك عقل آنرا فزود
هي حرفت را بين كين عقل ما
ماند أو آموختن بي اوستا
كره اندر فكرموى اشكاف بد
هي يشه رام بى اوستا نشد
وكان طول السفينة ثلاثمائة ذراع والذراع إلى المنكب وعرضها، خمسين ذراعاً وسمكها أي : ارتفاعها في الهواء ثلاثين ذراعاً وبابها في عرضها أو كان طولها ألفاً ومائتي ذراع، وعرضها
١٢٣