قال في الإرشاد : الركوب العلو على الشيء المتحرك ويتعدى بنفسه، واستعماله هنا بكلمة في ليس لأن المأمور به كونهم في جوفها لا فوقها كما ظن فإن أظهر الروايات أنه عليه السلام جعل الوحوش والسباع والهوام في البطن الأسفل من الطبقات الثلاث للسفينة، والأنعام والدواب في الأوسط وركب هو ومن معه مع ما يحتاجون إليه من الزاد في الأعلى، بل رعاية لجانب المحلية والمكانية في الفلك، والسر فيه أن معنى الركوب العلو على شيء له حركة إما إرادية كالحيوان أو قسرية كالسفينة والعجلة ونحوهما، فإذا استعمل في الأول يوفر له حظ الأصل فيقال : ركبت الفرس وإن استعمل في الثاني يلوح لمحلية المفعول بكلمة في فيقال : ركبت في السفينة، قيل : إنهم ركبوا السفينة يوم العاشر من رجب وكان يوم الجمعة فاتت السفينة البيت فطافت أسبوعاً فسارت بهم مائة وخمسين يوماً واستقرت بهم على الجودي شهراً وكان خروجهم من السفينة يوم عاشوراء من محرم.
بسم الله متعلق باركبوا حال من فاعله، أي : اركبوا مسمين الله أو قائلين بسم الله.
قال سعدي المفتي : كان أصل التقدير ملتبسين أو متبركين باسم الله وهو تأويل مسمين الله، أو قائلين بسم الله وعلى التقديرين فهو حال مقدرة، لأن وقت الجري والإرساء بعد الركوب، مجريها بفتح الميم من جرى وبكسر الراء على الإمالة نصب على الظرفية أي : وقت جريها ومرسيها أي : وقت إرسائها وحبسها وثبوتها.
وقال في الكواشي : بسم الله مجراها خبر ومبتدأ ومرساها عطف عليه أي : بسم الله إجراؤها وإرساؤها فكان عليه السلام إذا أراد أن تجري قال : بسم الله فجرت وإذا أراد أن ترسو قال : بسم الله فرست ومجراها ضماً وفتحاً مصدر أجريته وجريت به لغتان بمعنى كاذهبته وذهبت به ومرساها بضم الميم من ارست السفينة ترسى وقفت انتهى إن ربي لغفور للذنوب والخطايا رحيم لعباده ولهذا نجاكم من هذه الداهية ولولا ذلك لما فعله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٩
وفيه دلالة على أن نجاتهم ليست بسبب استحقاقهم لها بل بمحض فضل الله وغفرانه ورحمته على ما عليه رأى أهل السنة حكي أن عجوزاً مرت على نوح وهو يصنع السفينة وكانت مؤمنة به فسألته عما يصنعه فقال : إن الله تعالى سيهلك الكفار بالطوفان وينجي المؤمنين بهذه السفينة فأوصت أن يخبرها نوح إذا جاء وقتها لتركب في السفينة من
١٢٩
المؤمنين فلما جاء ذلك الوقت اشتغل نوح بحمل الخلق فيها ونسي وصية العجوز وكانت بعيدة منه ثم لما وقع ما وقع من إهلاك الكفار ونجاة المؤمين وخرجوا من السفينة جاءت إليه تلك العجوز فقالت : يا نوح إنك قلت لي سيقع الطوفان ألم يأن أن يقع؟ قال : قد وقع وكان أمر الله مفعولاً وتعجب من أمر العجوز فإن الله تعالى قد أنجاها في بيتها من غير ركوب السفينة ولم تر الطوفان قط وهكذا حماية الله تعالى لعباده المؤمنين.
وقد صح عن بعض أهل الكشف أن موضع الجامع الكبير في بلدة بروسه كان بيتاً للعجوز المذكورة كما في الواقعات المحمودية.
وفي المثنوى :
كاملان ازدور نامت بشنوند
تا بقعرباد وبودت درروند
بلكه يش از زادن توسالها
ديده باشندت ترا باحالها
هركسى اندازه روشن دلى
غيب را بيند بقدر صيقلى
والإشارة أن سفينة الشريعة معمولة للنجاة لراكبيها من طوفان فتن النفس والدنيا والأمر بالركوب في قوله تعالى : اركبوا فيها يشير إلى كشف سر من أسرار الشريعة، وهو أن من ركب سفينة الشرع بالطبع وتقليد الآباء والاستاذين لم ينفعه للنجاة الحقيقية، كما ركب المنافقون بالطبع لا بالأمر فلم ينفعهم، وكما ركب إبليس في سفينة نوح فلم ينفعه وإنما النجاة لمن ركب فيها بالأمر وحفظاً لأدب المقام قال : بسم الله مجريها ومرسيها أي : يكون مجريها من الله ومرساها إلى الله كقوله : إن إلى ربك المنتهى}(النجم : ٤٢) ﴿إِنَّ رَبِّى لَغَفُورٌ﴾ بالنجاة لمن ركبها رحيم لمن ركبها بالأمر لا بالطبع كذا في التأويلات النجمية.
وهي أي : الفلك تجري حكاية حال ماضية بهم حال من فاعل تجري أي : وهم فيها، أي : ملتبسه بهم ولك أن تجعل الباء للتعدية يقال : أجريته وجريت به كأذهبته وذهبت به فالمعنى بالفارسية (همى برد ايشانرا) والجملة عطف على محذوف دل عليه الأمر بالركوب أي : فركبوا فيها مسمين وهي تجري بهم.
في خلال موج يعني : موج الطوفان والطوفان من كل شيء ما كان كثيراً مطيفاً بالجماعة كالمطر الغالب في هذا المقام.
والموج جمع موجة وهو ما ارتفع من الماء إذا اشتد عليه الريح.
كالجبال شبه كل موجة من ذلك بالجبل في عظمها وارتفاعها على الماء وتراكمها وظاهره يدل على أن السفينة تجري داخل الموج ولكن المراد أن الأمواج لما أحاطت السفينة من الجوانب شبهت بالتي تجري في داخل الأمواج.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٩
فإن قلت : إن الماء ملأ ما بين السماء والأرض وإذا كان كذلك لم يتصور الموج فيه فما معنى جريها فيه.


الصفحة التالية
Icon