قلت : هذا الجريان كان قبل أن يغمر الطوفان الجبال ثم كانت السفينة تجري في جوف الماء كما تسبح السمكة كما قالوا : ولا يلزم الغرق لأن الله تعالى قادر على إمساك الماء عن الدخول في السفينة ألا ترى إلى الحوت الذي اتخذ سبيله في البحر سرباً (يعني هرجاكه ماهي ميرفت اب بالاي ومرتفع مى ايستاد) ومثله من الخوارق فلق البحر لموسى عليه السلام وقومه وجعله تعالى في الماء كوى متعددة ونادى (وآوازداد) نوح ابنه قيل : اسم ابنه كنعان، وقيل : يام واختلفوا أيضاً في أنه كان ربيبه أو ابنه لظهره فذهب أكثر علماء
١٣٠
الرسوم إلى الأول لأن ولد الرسول المعصوم يتسبعد أن يكون كافراً ولقراءة علي رضي الله عنه ابنها على أن يكون الضمير لامرأته واعلة بالعين المهملة أو والعة كما في التبيان ولقوله : إن ابني من أهلي دون أن يقول مني.
وذهب بعضهم وجمهور علماء الحقيقة قدس الله أسرارهم إلى الثاني لقوله تعالى : ابنه وقول نوح يا بني.
يقول الفقير : أما قولهم ولد الرسول يستبعد أن يكون كافراً فمنقوض بابن آدم، وهو قابيل والله تعالى يخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، وعلى هذا تدور حكمته في مظاهر جلاله وجماله وإذا ثبت إن والدي الرسول ووالد إبراهيم عليهما الصلاة والسلام كانوا كافرين فكيف يبعد أن يكون ولد نوح كافراً.
وإما قراءة علي رضي الله عنه فإنما أسند فيها الابن إلى الأم لكونها كافرة مثله عادلة عن طريقة نوح فحق أن ينسب الكافر إلى الكافر لا إلى المؤمن لا لأنه أي : علياً اعتبر قوله : إنه ليس من أهلك فإنه وهم.
وأما قوله : إن ابني من أهلي فلمواقفة قوله تعالى : وأهلك كما لا يخفى.
فإن قيل : إنه عليه السلام لما قال : رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً}(نوح : ٢٦) كيف ناداه مع كفره.
أجيب : بأن شفقة الأبوة لعلها حملته على ذلك النداء.
والذي تقدم من قوله :﴿إِلا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ كان كالمجمل فلعله جوز أن لا يكون هو داخلاً فيه كذا في حواشي ابن الشيخ وكان ابنه في معزل مكان منقطع عن نوح وعن دينه لكونه كافراً كما في الكواشي.
وقال في الإرشاد : أي : في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وإخوته وقومه بحيث لم يتناوله الخطاب باركبوا واحتاج إلى النداء المذكور وهو في محل النصب على أنه حال من ابنه والحال يأتي من المنادى لأنه مفعول به، والمعزل : بكسر الزاي اسم لمكان العزل وهو التنحية والإبعاد يقال : عزله عنه إذا أبعده (س ازفرط شفقت كفت).
يا بني اركب معنا بإدغام الباء في الميم لتقاربهما في المخرج (اي سرك من سوار شود ركشتى باما تا يمن شوى).
ولم يقل اركب في الفلك لتعينها مع إغناء المعية عن ذكرها ولا تكن مع الكافرين فتهلك مثلهم، أي : لا تكون معهم في المكان وهو وجه الأرض خارج الفلك لا في الدين، وإن كان ذلك مما يوجبه كما يوجب ركوبه معه كونه معه في الإيمان ؛ لأنه عليه السلام بصدد التحذير عن المهلكة فلا يلائمه النهي عن الكفر كذا في الإرشاد.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٩
يقول الفقير : الذي يلوح أن المعنى وكان في معزل أي : بمكان عزل فيه نفسه عن أبيه بناء على ظن أن الجبل يعصمه من الغرق يا بني اركب معنا بأن تؤمن بالله ونعوت جماله وجلاله ولا تكن مع الكافرين، أي : منهم، لأنه إذا كان معهم مصاحباً لهم فقد كان منهم وبعضهم، كقوله تعالى : وكونوا مع الصادقين.
فإن قلت قوله تعالى : وأوحي إلي نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن يقطع رجاء الإيمان فكيف نادى نوح ابنه في إيمانه.
قلت : ذلك ليس بنص في حق ابنه مثل قوله : إلا من سبق عليه القول مع أنه من شأن الكمل أنه لا يستحيل عندهم مطلوب إلى أن يخبرهم الحق بإخبار مخصوص فحينئذٍ يصدقون ربهم ويحكمون باستحالة حصول ذلك المطلوب كحال موسى عليه السلام في طلب الرؤية لما أخبر بتعذر ذلك تاب وآمن.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٢٩
﴿قَالَ﴾ ابنه سآوي أصير وألتجىء إلى جبل من الجبال يعصمني يمنعني بارتفاعه من الماء فلا أغرق ولا أؤمن ولا أركب السفينة زعماً منه أن ذلك
١٣١
كسائر المياه والسيول المعتادة التي ربما يتقي منها بالصعود إلى الربى وجهلا بأن ذلك إنما كان لإهلاك الكفرة أن لا محيص من ذلك سوى الالتجاء إلى ملجأ المؤمنين قال نوح لا عاصم ذاتا وصفة اليوم زاد اليوم تنبيهاً على أنه ليس كسائر الأيام التي تقع فيها الوقائع التي ربما يخلص من ذلك بالالتجاء إلى بعض الأسباب من أمر الله أي : عذابه الذي هو الطوفان.
وفيه تنبيه لابنه على خطاه في تسميته ماء، وتوهمه أنه كسائر المياه التي يتفصى منها بالهرب إلى بعض الأمكنة المرتفعة وتمهيد لحصر العصمة في جنابه عز جاره بالاستثناء كأنه قيل لا عاصم من أمر الله إلا هو وإنما قيل إلا من رحم أي : إلا الراحم وهو الله تعالى تفخيماً لشأنه الجليل بالإبهام ثم التفسير، وبالإجمال ثم التفصيل، وإشعاراً بعلية رحمته في ذلك بموجب سبقها على غضبه فهو استثناء متصل وعاصم على معناه.