قال السيد : إما لأن اللام بدل من المضاف إليه كما هو مذهب الكوفية، وإما لأنها تغني غناء الإضافة في الإشارة إلى المعهود.
واستوت واستقرت الفلك واختير استوت على سويت، أي : أقرت مع كونه أنسب بأخواته المبنية للمفعول اعتباراً لكون الفعل المقابل للاستقرار أعني الجريان منسوباً إلى السفينة على صيغة المبنى للفاعل في قوله وهي تجري بهم مع أن استوت أخصر من سويت على الجودي هو جبل بالجزيرة بقرب الموصل أو بالشام أو بآمد وروى في الخبر أن الله تعالى أوحى إلى الجبال إني أنزل السفينة على جبل فتشامخت الجبال وتواضع الجوديتعالى فأرست عليه السفينة.
قال السعدي قدس سره :
طريقت جزاين نيست درويش را
كه افكنده داردتن خويش را
بلنديت بايد تواضع كزين
كه آن نام را نيست راهى جزاين
والتواضع آخر مقام ينتهي إليه رجال الله تعالى وحقيقته العلم بعبودية النفس، ولا يصح مع العبودية رياسة أصلاً، لأنها ضد لها، ولهذا قال المشايخ قدس الله أسررهم : آخر ما يخرج من قلوب الصديقين حب الرياسة ولا تظن أن هذا التواضع الظاهر على أكثر الناس وعلى بعض الصالحين تواضع وإنما هو تملق لسبب غاب عنك، وكل يتملق على قدر مطلوبه والمطلوب منه فالتواضع سر من أسرار الله تعالى لا يهبه على الكمال إلا لنبي أو صديق كما في المواقع.
وعن علي رضي الله عنه أشد الخلق الجبال الرواسي والحديد أشد منها إذ ينحت به الجبل والنار تغلب الحديد والماء يطفى
١٣٥
النار والسحاب يحمل الماء والريح تحمل السحاب والإنسان يغلب الريح بالبنيان والنوم يغلب الإنسان والموت يغلب الكل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
وذكر أهل الحكمة أن مجموع ما عرف في الأقاليم السبعة من الجبال مائة وثمانية وسبعون جبلاً.
وفي زهرة الرياض ستة آلاف وستمائة وثلاثة وسبعون جبلاً سوى التلول، منها ما طوله عشرون فرسخاً ومنها مائة فرسخ إلى ألف فرسخ.
وفي أسئلة الحكم، جعل الله الجبال كراسي أنبيائه كأحد لنبينا، والطور لموسى، وسر نديب لآدم، والجودي لنوح عليهم السلام وكفى بذلك شرفاً، وإنها بمنزلة الرجال في الأكوان يقال : للرجال الكامل جبل.
واختلفوا في أن أي : الجبال أفضل؟ فقيل أبو قبيس لأنه أول جبل وضع على الأرض وقيل عرفة وقيل : جبل موسى وقيل : قاف.
وقال السيوطي : أفضل الجبال جبل أحد وهو جبل من جبال المدينة وسمى بذلك لتوحده وانفراده عن غيره من الجبال التي هناك، وهذا الجبل يقصد لزيارة سيدنا حمزة رضي الله عنه ومن فيه من الشهداء رضي الله عنهم وهو على نحو ميلين أو على نحو ثلاثة من المدينة واستدل على أفضليته بأنه مذكور في القرآن باسمه في قراءة من قرأ إذ تصعدون ولا تلوون على أحد}(آل عمران : ١٥٣) أي : بضم الهمزة والحاء وبقوله عليه السلام :"أحد ركن من أركان الجنة" أي : جانب عظيم من جوانبها وقوله : الآخر "أن أحداً هذا جبل يحبنا ونحبه، فإذا مررتم به فكلوا من شجرة ولو من عضاهه" وهي كل شجرة عظيمة لها شوك، والقصد الحث على عدم إهمال الأكل من شجره تبركاً به، ولا مانع أن تكون المحبة من الجبل على حقيقتها وضع الحب فيه كما وضع التسبيح في الجبال مع داود عليه السلام وكما وضعت الخشية في الحجارة قال الله تعالى :﴿وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ (البقرة : ٧٤) كما في "إنسان العيون".
يقول الفقير للجمادات حياة حقانية عند أهل الله تعالى كما قال في "المثنوى" :
بادرا بي شم اكر بينش نداد
فرق ون ميكردد اندر قوم عاد
كر نبودي نيل را آن نورديد
ازه قبطي را زسبطى ميكزيد
كرنه كوه سنك باديدار شد
س را داود را و يار شد
اين زمين را كر نبودى شم جان
ازه قارونرا فرو خوردى نان
ومن هذا عرفت النداء في قوله تعالى يا أرض ويا سماء حقيقة عند العلماء بالله وكذا مقاله تعالى المنفهم من قوله وقيل.
قال حضرة الشيخ الأكبر قدس سره الأطهر : وكما نقول تجلى الله تعالى في صورة، كما يليق بجلاله، كذلك نقول تكلم بحرف وصوت كما يليق بجلالة، وكلام الله تعالى عين المتكلم في مرتبة، ومعنى قائم به في الأخرى كالكلام النفسي، ومركب من الحروف ومتعين بها في عالمي المثال والحس بحسبهما كما في "الدرة الفاخرة" للمولى الجامي رحمه الله.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
ثم إن نوحاً هبط من السفينة إلى الجودي يوم عاشوراء.
وعن قتادة استقلت بهم السفينة لعشر خلون من رجب وكانت في الماء خمسين ومائة يوم، واستقرت بهم على الجودي شهراً وذلك ستة أشهر، وهبطت بهم يوم عاشوراء وسيأتي ما يتعلق بذلك.
﴿وَقِيلَ بُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّـالِمِينَ﴾ قوله بعداً مصدر مؤكد لفعله، المقدر أي : بعدوا بعداً أي : هلكوا من قولهم بعداً وبعداً إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت، والمعنى : الدعاء عليهم بذلك وهو تعليم من الله تعالى لعباده أن يدعوا
١٣٦