على الظالمين به أي : ليبعد القوم بعداً وليهلكوا، وهو بالفارسية.
(دوري وهلاكي باد مرقوم ستمكارانرا) واللام في للقوم لبيان من دعى عليهم كاللام في هيت لك وسقياً لك متعلق بالفعل المحذوف، أو بقوله قيل أي : قيل لأجلهم هذا القول والتعرض لوصف الظلم للإشعار بعليته للهلاك، وفيه تعريض بأن سالكي مسالكهم في الظلم والتكذيب يستحقون مثل هذا الإهلاك والدعاء عليهم.
قال في المفتاح : وختم الكلام ختم إظهار لمكان السخط ولجهة استحقاقهم إياه لأن الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم.
قيل : ما نجا من الكفار غير عوج بن عنق كان في الماء إلى حجزته وهو معقد الإزار، وكان طوله ثلاثة آلاف وثلاثمائة وثلاثة وثلاثين ذراعاً وثلث ذراع وقد عاش ثلاثة آلاف سنة وقد سبق في سورة المائدة وكان سبب نجاته أن نوحاً عليه السلام احتاج إلى خشب ساج للسفينة فلم يمكنه نقلها فحملها عوج إليه من الشام فنجاه الله من الغرق بذلك.
وقد ثبت أيضاً أن واحداً من آل فرعون كان يلبس قلنسوة مثل قلنسوة موسى عليه السلام ويسخر منه، وقد نجاه الله تعالى من الغرق في بحر القلزم بمجرد تشبهه الصوري، ولو تاب من جنايته لنجا من عذاب الدارين.
وعن أبي العالية قال : لما رست سفينة نوح عليه السلام إذا هو بإبليس على كوثل السفينة، أي : مؤخرها، فقال له نوح : ويلك قد غرق أهل الأرض من أجلك قد أهلكتهم، قال له إبليس : فما اصنع؟ قال : تتوب، قال : فسل ربك هل لي من توبة فدعا نوح ربه فأوحى الله تعالى إليه أن توبته أن يسجد لقبر آدم عليه السلام فقال له نوح : قد جعلت لك قال : وما هي؟ قال : تسجد لقبر آدم، قال : تركته حياً وأسجد له ميتاً.
وفيه إشارة إلى أن السجدة لآدم وهو مقبور كالسجدة له وهو غير مقبور، إذ الأنبياء عليهم السلام أحياء عند ربهم، وكذا كُمَّل الأولياء قدس الله أسرارهم، كما قال الصائب :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
مشو بمرك زامداد اهل دل نوميد
كه خواب مردم آكاهعين بيداريست
والشيطان الرجيم غفل عن هذا فنكل عن قبول الحق الصريح، ومثله من ينكر الأولياء أو زيارة قبورهم والاستمداد منهم نسأل الله العصمة ونعوذ به من الخذلان.
اعلم أن القرآن بجميع سورة وآياته معجز في غاية طبقات الفصاحة والبلاغة لكن بين بعض أجزائه تفاوت بحسب الاشتمال على الخواص، والمزايا فإن بعض المقام لا يتحمل ما تحمله مقام كلام فوقه من اللطائف والخفايا، فمن المرتفع شأنه في الحسن والقبول هذه الآية الكريمة، وهي قوله تعالى : وقيل يا أرض ابلعي إلى آخره ولذا لما سمعها من تبوأ أسرة الفصاحة القحطانية وركب متن البلاغة في بدوّ الخطب العدنانية من العرب العرباء ومصاقع الخطباء سجدوا لفصاحتها وتططأوا دون سرادقات إحاطتها، ونسوا قصائدهم المعلقة ورجعوا عن منشآتهم المقررة المحققة، ولقد أحسن من نبه على التفاوت المذكور، وقال على ما هو المشهور :
دربيان ودر فصاحت كي بود يكسان سخن
كره كوينده بود ون جاحظ وون اصمعي
از كلام ايزد بيون كه وحي منزلست
كى بود تبت يدا ون قيل يا أرض ابلعي
ألا ترى أن الله سبحانه جعل الأنبياء عليهم السلام متساوية الأقدام في درجة النبوة وجعل استعدادات أممهم مختلفة فاختلافهم إنما هو لمعنى في نفسهم لا لمعنى في الذي أرسل إليهم، فلما كانت
١٣٧
هذه الآيات الآفاقية والأنفسية الواقعة في مصحف الفرقان متفاوتة متباينة كانت الآيات البينات المندرجة في مصحف القرآن كذلك ؛ إذ هو جامع لحقائق جميع النسخ الوجوبية والإمكانية موافق لما فصله الكتب العلمية والأعيانية ولله در شأن التنزيل في الإشارة إلى المراتب والله الغالب.
قال في التأويلات النجمية : وقيل يا أرض ابلعي ماءك أي : يا أرض البشرية ماء شهواتك ويا سماء القضاء اقلعي عن إنزال مطر الآفات.
وغيض الماء ماء الفتن أي : نقصت ظلمتها بنور الشرع وسكنت سورتها.
وقضى الأمر أي : انقضى ما كان مقدراً من طوفان الفتن للابتلاء واستوت أي : سفينة الشريعة.
على الجودي وهو مقام التميكن يعني أيام الطوفان كانت من مقامات التلوين في معرض الآفات والهلاك، فلما مضت تلك الأيام آل الأمر إلى مقام التمكين وفيه النجاة والثبات ونيل الدرجات.
وقيل بعدا أي : غرقة وهلاكاً للقوم الظالمين الذين ظلموا أنفسهم بالتقاعد عن ركوب سفينة الشريعة انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣١
﴿وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ﴾ (وبخواند روردكار خودرا).
فقال الفاء لتفصيل ما في النداء من الإجمال.
رب (اي روردكار من إن ابني كنعان وسمى الابن ابناً لكونه بناء أبيه، أي : مبني أبيه من أهلي وقد وعدتني إنجاءهم في ضمن الأمر بحملهم في الفلك، ومن تبعيضية لأنه كان ابنه من صلبه على ما هو الأرجح أو كان ربيباً له فهو بعض أهله والأهل يفسر بالأزواج والأولاد وبالعبيد والإماء وبالأقارب وبالأصحاب وبالمجموع كما في شرح المشارق لابن ملك.