وذكر أن الله عز وجل يخرق ليلة عاشوراء زمزم إلى سائر المياه فمن اغتسل يومئذٍ أمن من المرض في جميع السنة كما في الروض الفائق ومن وسع فيه على عياله في النفقة وسع الله له سائر سنته.
قال ابن سيرين : جربناه ووجدناه كذلك كما في الأسرار المحمدية.
قال في عقد الدرر واللآلى : المستحب في ذلك يوم فعل الخيرات من الصدقة والصوم والذكر وغيرها، ولا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بيزيد الملعون في بعض الأفعال، وبالشيعة والروافض والخوارج أيضاً، يعني : لا يجعل ذلك اليوم يوم عيد أو يوم مأتم، فمن اكتحل يوم عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه، وإن كان للاكتحال في ذلك اليوم أصل صحيح فإن ترك السنة سنة إذا كانت شعاراً لأهل البدعة كالتختم باليمين فإنه في الأصل سنة لكنه لما كان شعار أهل البدعة والظلمة صارت السنة أن يجعل الخاتم في خنصر اليد اليسرى في زماننا كما في شرح القهستاني ومثله تقصير الثياب
١٤٢
وتطويلها اللهم إلا أن يفعل بعض الأفعال كالاغتسال وزيارة الأخوان وتوسيع النفقة ونحوها من غير أن يخطر بباله التشبيه وعدمه كما إذا خرج بطريق التنزه والتفرج يوم نيروز النصارى أو نيروز العجم، وأهدى شيئاً إلى بعض إخوانه بطريق الاتفاق أو بمصلحة داعية إليه من غير أن يخطر بقلبه الموافقة فإنه لا بأس.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٩
ومن قرأ يوم عاشوراء وأوائل المحرم مقتل الحسين رضي الله عنه فقد تشبه بالروافض خصوصاً إذا كان بألفاظ مخلة بالتعظيم لأجل تحزين السامعين.
وفي كراهية القهستاني لو أراد ذكر مقتل الحسين ينبغي أن يذكر أولاً مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافضة انتهى.
قال حجة الإسلام الغزالي : يحرم على الواعظ وغيره رواية مقتل الحسين، وحكايته وما جرى بين الصحابة من التشاجر والتخاصم فإنه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم وهم أعلام الدين، وما وقع بينهم من المنازعات فيحمل على محامل صحيحة، ولعل ذلك لخطأ في الاجتهاد لا لطلب الرياسة والدنيا كما لا يخفى.
وقال عز الدين بن عبد السلام : في فصل آفات اللسان الخوض في الباطل هو الكلام في المعاصي، كحكاية أحوال الوقاع، ومجالس الخمور وتجبر الظلمة، وكحكاية مذاهب أهل الأهواء وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة رضي الله عنهم انتهى.
قال في عقد الدرر : ويح قاتل الحسين كيف حاله مع أبويه وجده وأنشدوا :
لا بد إن ترد القيامة فاطم
وقيمصها بدم الحسين ملطخ
ويل لمن شفعاؤه خصماؤه
والصور في يوم القيامة ينفخ
وفي الحديث : قاتل الحسين في تابوت من نار عليه نصف عذاب أهل الدنيا.
قال في إنسان العيون : أرسل أهل الكوفة إلى الحسين أن يأتيهم ليبايعوه، فأراد الذهاب إليهم فنهاه ابن عباس وبين له غدرهم وقتلهم لأبيه وخذلانهم لأخيه الحسن، فأبى إلا أن يذهب فبكى ابن عباس رضي الله عنهما وقال : واحسيناه ولم يبق بمكة إلا من حزن على مسيره، وقدم أمامه إلى الكوفة مسلم بن عقيل فبايعه من أهل الكوفة للحسين اثنا عشر ألفاً وقيل : أكثر من ذلك، ولما شارف الكوفة جهز إليه أميرها من جانب يزيد وهو عبد الله بن زياد عشرين ألف مقاتل وكان أكثرهم ممن بايع لأجل السحت العاجل على الخير الآجل، فلما وصلوا إليه ورأى كثرة الجيوش طلب منهم إحدى ثلاث إما أن يرجع من حيث جاء، أو يذهب إلى بعض الثغور، أو يذهب إلى يزيد يفعل فيه ما أراد، فأبوا وطلبوا منه نزوله على حكم ابن زياد وبيعته ليزيد، فأبي فقاتلوه إلى أن أثخنته الجراحة فسقط إلى الأرض فحزوا رأسه وذلك يوم عاشوراء عام إحدى وستين ووضع ذلك الرأس بين يدي عبد الله بن زياد.
قال في روضة الأخيار : قبر الحسين رضي الله عنه بكر بلاء، وهي من أرض العراق ورأسه بالشام في مسجد دمشق على رأس أسطوانة وقد رأى النبي بعض الصالحين في النوم فقال : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ما ترى فتن أمتك؟ فقال : زادهم الله فتنة قتلوا الحسين ولم يحفظوني ولم يرعوا حقي فيه.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٣٩
وعن الشعبي مرّ علي رضي الله عنه بكر بلاء عند مسيره إلى صفين فوقف وسأل عن اسم هذه الأرض فقيل : كربلاء فبكى حتى بل الأرض من دموعه ثم قال : دخلت على رسول الله وهو يبكي فقال : كان عندي جبريل آنفاً وأخبرني أن ولدي الحسين يقتل بشاطىء
١٤٣
الفرات بموضع يقال : له كربلاء ثم قبض جبريل قبضة من تراب اشمني إياها فلم أملك عيني أن فاضتاً روى أن تلك التربة جعلها رسول الله في قارورة وقال : لأم سلمة رضي الله عنها : إن هذا من تربة الأرض التي يقتل بها الحسين فمتى صار دماً فاعلمي أنه قد قتل قالت أم سلمة : فلما كان ليلة قتل الحسين سمعت قائلاً يقول :
أيها القاتلون جهلا حسينا
أبشروا بالعذاب والتذليل
قد لعنتم على لسان ابن داو
دو موسى وحامل الإنجيل
قالت : فبكيت وفتحت القارورة فإذا التربة قد جرت دماً.
حكى إن السماء احمرت لقتله.