واعلم : أن المال والجاه وثناء الخلق وغيرها من مشارب النفس عند أهل الله تعالى ولذا قالوا : ما من رسول إلا خاطب قومه بهذا القول إزاحة للتهمة وتمحيضاً للنصيحة فإنها لا تنجع ولا تنفع إلا إذا كانت خالصة غير مشوبة بشيء من المطامع :
طمع بند ودفتر زحكمت بشوى
طمع بكسل وهره خواهى بكوى
كما روى عن بعض المشايخ أنه كان له سنور، وكان يأخذ من قصاب في جواره شيئاً من الغدد لسنوره فرأى على القصاب منكراً فدخل الدار فأخرج السنور أولاً، ثم جاء واحتسب على
١٤٦
القصاب، فقال : له القصاب لا أعطيك بعد اليوم لسنورك شيئاً، فقال : ما احتسب عليك إلا بعد إخراج السنور وقطع الطمع منك والطمع سكون القلب إلى منفعة مشكوكة.
مكن سعديا ديده بردست كس
كه بخشنده رورد كارست وبس
طمع آب روى موقر بريخت
براى دوجو دامن در بريخت
وساحة قلوب الأنبياء عليهم السلام، وكذا الأولياء قدس سرهم مطهرة من دنس التعلق بغير الله في دعوتهم وإرشادهم، وإنما يريد أهل الإرشاد من هذه الأمة تعظيم جاه رسول الله بتكثير اتباعه لا المال والمنافع الدنيوية فإن الآخرة خير وأبقى، وفي المثل : أجهل من داعي ثمانين من الضأن.
قال ابن خالويه : إنه رجل قضى للنبي عليه السلام حاجة فقال : ائتني بالمدينة فأتاه فقال : أيما أحب إليك ثمانون من الضأن أو ادعو الله أن يجعلك معي في الجنة قال : بل ثمانون من الضأن قال : أعطوه إياها ثم قال : إن صاحبة موسى عليه السلام كانت أعقل منك وذلك أن عجوزاً دلته على عظام يوسف عليه السلام فقال لها موسى : أيما أحب إليك أسأل الله أن تكوني معي في الجنة أو مائة من الغنم قالت : الجنة ولكمال المحافظة على الدين لم يقبل العلماء المتقدمون أجرة على الوعظ والتعليم والأمامة والخطابة والتأذين وغيرها.
زيان ميكند مرد تفسير دان
كهعلم وأدب ميفروشد بنان
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٥
﴿وَيَـاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ من عبادة غيره لأن التوبة لا تصح إلا بعد الإيمان كما في بحر العلوم واللائح للبال أن المعنى اطلبوا مغفرة الله تعالى لذنوبكم السالفة من الشرك والمعاصي بأن تؤمنوا به فإن الإيمان يجب ما قبله، أي : يقطع ثم ارجعوا إليه بالطاعة فإن التحلية بالمهملة بعد التخلية بالمعجمة فيكون ثم على بابها في التراخي أيضاً.
يرسل السماء عليكم أي : المطر مدرارا من أبنية مبالغة الفاعل يستوي فيه المذكر والمؤنث، وأصله من در اللبن درورا وهو كثرة وروده على الحالب، يقال سحاب مدرار ومطر مدرار إذا تتابع منه المطر في أوقات الاحتياج إليه.
والمعنى حال كونه متتابعاً دائماً كلما تحتاجون.
وقال الكاشفي :(تابفر ستد از آسمان باراني يوسته) ويزدكم (وبيفزايد وزياده كند) قوة مضافة منضمة إلى قوتكم أي : يضاعفها لكم وإنما رغبهم في الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوة، لأنهم كانوا أصحاب زروع وبساتين وعمارات حراصاً عليها أشد الحرص فكانوا أحوج شيء إلى الماء، وكانوا مدلين بما أوتوا من شدة القوة والبطش والبأس والنجدة ممنوعين بها من العدو مهيبين في كل ناحية.
وقال الكاشفي :(آورده اندكه عاديان دعوت هود قبلو نكردند وحق سبحانه وتعالى بشآمت آن سه سال باران ازايشان بازكرفت وزنان ايشانرا عاقره وعقيمه ساخت وون أصحاب زراعت بودند ودشمنان نيزداشتند براى زراعت به باران وبراي دفع أعادي بأولاد محتاج شدند هود عليه السلام فرمودكه يا قوم استغفروا إلخ فيكون معنى قوله : ويزدكم قوة إلى قوتكم قوتي باقوت شما يعني : فرزندان دهد شمارا تابمدد ايشان بر دفع أعادي قادر شويد).
وعن الحسن بن علي أنه وفد على معاوية، فلما خرج تبعه بعض حجابه، فقال : إني رجل ذو مال ولا يولد لي فعلمني شيئاً لعل الله يرزقني ولداً، فقال : عليك بالاستغفار فكان يكثر
١٤٧
الاستغفار حتى ربما استغفر في يوم واحد سبعمائة مرة فولد له عشرة بنين فبلغ ذلك معاوية، فقال : هلا سألته ممَ قال : ذلك فوفد وفدة أخرى فسأله الرجل فقال : ألم تسمع قول هود ويزدكم قوة إلى قوتكم وقال نوح ويمددكم بأموال وبنين}(نوح : ١٢) ﴿وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ﴾ أي : حال كونكم مصرين على الإجرام والآثام والإجرام كسب الجرم كالإذناب بكسر الهمزة كسب الذنب قالوا استئناف بتقدير سؤال سائل، كأنه قيل ما قال : له قومه بعد أن أمرهم ونهاهم فقيل.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٤٧
قالوا : يا هود ما جئتنا ببينة أي : بحجة تدل على صحة دعواك وإنما قالوه : لفرط عنادهم وعدم اعتدادهم بما جاءهم من المعجزات كما قالت : قريش لرسول الله لولا أنزل عليه آية من ربه مع فوات آياته الحصر وما نحن بتاركي آلهتنا أي : بتاركي عبادتهم وأصله تاركين سقطت النون بالإضافة.
عن قولك حال من الضمير في تاركي، كأنه قيل : وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك، أي : صادراً تركنا عن ذلك بإسناد حال الوصف إلى الموصوف ومعناه التعليل على أبلع وجه لدلالته على كونه علة فاعلية ولا يفيده الباء واللام.