ويجوز أن تكون إشارة إلى قبورهم وآثارهم كأنه تعالى قال : سيروا في الأرض فانظروا إليها واعتبروا ففي الكلام مجاز حذف إما قبل المبتدأ أي : أصحاب تلك وإما قبل الخبر أي : قبور عاد كفروا بآيات ربهم بعد ما استيقنوها يعني : أنهم كانوا يعرفون أنها حق لكنهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة ويستمر على جحوده ولا يرعوي وعصوا رسله لأنهم عصوا رسولهم ومن عصى رسوله فقد عصى الكل لاتفاق كلمتهم على التوحيد وأصول الشرائع.
قيل لم يرسل إليهم إلا هود وحده وهذا الجحود والعصيان شامل لكل فرد منهم أي : لرؤسائهم وأسافلهم.
واتبعوا أي : الأسافل أمر كل جبار (فرمان هر سركشى) عيند (ستيزه كاررا).
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
قال في التبيان : الجبار المتعظم في نفسه المتكبر على العباد، والعنيد الذي لا يقول الحق ولا يقبله.
وقال القاضي : أي : من كبرائهم الطاغين.
قال سعدي المفتي : أشار إلى أن الجبار بمعنى المتكبر فإنه يأتي بمعنى المتكبر الذي لا يرى لأحد عليه حقاً ويقال : عند إذا طغى، والمعنى عصوا من دعاهم إلى الإيمان وما ينجيهم وأطاعوا من دعاهم إلى الكفر وما يرديهم واتبعوا أي : التابعون والرؤساء في هذه الدنيا لعنة أي : إبعاداً عن الرحمة وعن كل خير، أي : جعلت تابعة لهم ولازمة تكبهم في العذاب كمن يأتي خلف شخص فيدفعه من خلف فيكبه، وإنما عبر عن لزوم اللعنة لهم بالتبعية للمبالغة فكأنها لا تفارقهم وإن ذهبوا كل مذهب بل تدور معهم حيثما داروا ولوقوعه في صحبة اتباعهم رؤساءهم، يعني : أنهم لما اتبعوا اتبعوا ذلك جزاء لصنيعهم جزاء وفاقاً.
ويوم القيمة أي : اتبعوا في يوم القيامة أيضاً لعنة وهي عذاب النار المخلد حذفت لدلالة الأولى عليها.
ألا إن عادا كفروا ربهم جحدوه كأنهم كانوا من الدهرية وهم الذين يرون محسوساً ولا يرون معقولاً وينسبون كل حادث إلى الدهر.
قال في الكواشي : كفر يستعمل متعدياً ولازماً كشكرته وشكرت له ألا بعداً لعاد (بدانيدكه دوريست مر عاديا نرا يعني : ازرحمت دورند) كما قال في التبيان : أبعدهم الله فبعدوا بعداً.
قوم هود عطف بيان لعاد لأن عادا عادان عاد هود القديمة وعاد إرم الحديثة، وإنما كرر ألا ودعاءه عليهم وأعاد ذكرهم تهويلاً لأمرهم وتفظيعاً له وحثاً على الاعتبار بهم والحذر من مثل حالهم.
وفي المثنوى :
بس ساس اوراكه مارا درجهان
كرد يدا از س يشينيان
تاشنيديم آن سياستهاى حق
بر قرون ماضيه اندر سبق
١٥١
استخوان وشم آن كر كان عيان
بنكريد وند كيريد اي مهان
عاقل از سر بنهد اين هستى وباد
ون شنيد انجام فرعونان وعاد
ورنه بنهد ديكران از حال او
عبرتي كيرند از اضلال او
ثم قوله : ألا بعداً لعاد قوم هود دعاء عليهم بالهلاك، أي : ليبعد عاد بعداً وليهلكوا والمراد به الدلالة على إنهم كانوا مستوجبين لما نزل عليهم بسبب ما حكى عنهم وذلك، لأن الدعاء بالهلاك بعد هلاكهم، ففائدته ما ذكر ثم اللام تدل أيضاً على الاستحقاق وعلى البيان كأنه قيل لمن؟ فقيل : لعاد.
قال سعدى المفتى : ويجوز أن يكون دعاء عليهم باللعن.
وفي القاموس البعد والبعاد اللعن انتهى.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
وفي الكفاية شرح الهداية اللعن على ضربين.
أحدهما : الطرد من رحمة الله تعالى وذلك لا يكون إلا للكافر.
والثاني : الإبعاد عن درجة الأبرار ومقام الصالحين وهو المراد بقوله عليه السلام : المحتكر ملعون لأن أهل السنة والجماعة لا يخرجون أحداً من الإيمان بارتكاب الكبيرة وجاء في اللعن العام لعن الله من لعن والديه، ولعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله من آوى محدثاً، ولعن الله من غير منار الأرض.
قوله محدثاً بكسر الدال معناه الآتي بالأمر المنكر مما نهى عنه وحرم عليه، أي : من آواه وحماه وذب عنه ولم يكن ينكر عليه ويردعه، ومنار الأرض العلامات التي تكون في الطرق والحد بين الأراضي وفي الحديث : لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهده، والواشمة، والموشومة، ومانع الصدقة، والمحلل، والمحلل له.
الوشم هو الزرقة الحاصلة في البدن بغرز الإبرة فيه وجعل النيلة أو الكحل في موضعه، والواشمة : الفاعلة، والموشومة المفعول بها ذلك، وفي الحديث : لعن الله الراشي والمرتشى والرائش أي : الذي يسعى بينهما وفي الحديث : لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وأكل ثمنها ويكره للمسلم أن يؤجر نفسه من كافر لعصر العنب كما في الأشباه ويجوز بيع العصير لمن يتخذه خمراً لأن عين العصير عار عن المعصية، وإنما يلحقه الفساد بعد تغيره بخلاف بيع السلاح في أيام الفتنة، لأن عينه آلة بلا تغيير، يعني : يكره بيع السلاح أيام الفتنة إذا علم أن المشتري من أهل الفتنة لأنه يكون سبباً للمعصية وإذا باع مسلم خمراً وقبض الثمن وعليه دين كره لرب الدين أخذه منه، لأن الخمر ليست بمال متقوم في حق الذمي فملك الثمن فحل الأخذ منه وفي الحديث : لعن المسلم كقتله.


الصفحة التالية
Icon