قال ابن الصلاح : في فتاواه قاتل الحسين رضي الله عنه لا يكفر بذلك، وإنما ارتكب ذنباً عظيماً وإنما يكفر بالقتل قاتل نبي من الأنبياء.
ثم قال : والناس في يزيد ثلاث فرق، فرقة تتولاه وتحبه، وفرقة تسبه وتلعنه، وفرقة متوسطة في ذلك لا تتولاه ولا تلعنه وتسلك به مسالك سائر ملوك الإسلام وخلفائهم غير الراشدين في ذلك وهذه الفرقة هي المصيبة، ومذهبها هو اللائق بمن يعرف سير الماضين، ويعلم قواعد الشريعة المطهرة انتهى.
وقال سعد الدين التفتازاني :
اللعن على يزيد في الشرع يجوز
واللاعن يجزي حسنات ويفوز
قد صح لدى إنه معتل
واللعن مضاعف وذلك مهموز
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
وباقي البحث فيه قد سبق في سورة البقرة ألا لعنة الله على الظالمين.
قال في حياة الحيوان :
١٥٢
إن الله تعالى لم يجعل الدنيا مقصودة لنفسها بل جعلها طريقة موصلة إلى ما هو المقصود لنفسه، وإنه لم يجعلها دار إقامة ولا جزاء وإنما جعلها دار رحلة وبلاء، وإنه ملكها في الغالب الجهلة والكفرة وحماها الأنبياء والأولياء والأبدال وحسبك بها هواناً إنه سبحانه صغرها وحقرها وأبغضها وأبغض أهلها ومحبها ولم يرض لعاقل فيها إلا بالتزود للارتحال عنها وفي الحديث : الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله ومن والاه وعالماً أو متعلماً ولا يفهم من هذا إباحة لعن الدنيا وسبها مطلقاً، كما روى أبو موسى الأشعري إن النبي قال : لا تسبوا الدنيا فنعمت مطية المؤمن عليها يبلغ الخير وبها ينجو من الشر أن العبد إذا قال : لعن الله الدنيا قالت : الدنيا لعن الله من عصى ربه وهذا يقتضي المنع من سب الدنيا ولعنها، ووجه الجمع بينهما أن المباح لعنه من الدينا ما كان منها مبعداً عن الله تعالى وشاغلاً عنه كما قال : السلف كل ما شغلك عن الله سبحانه من مال وولد فهو مشؤوم عليك، وأما ما كان من الدنيا يقرب من الله ويعين على عبادته فهو المحمود بكل لسان المحبوب لكل إنسان، فمثل هذا لا يسب بل يرغب ويحب، وإليه الإشارة حيث قال : إلا ذكر الله ومن والاه و عالماً أو متعلماً وهو المصرح به في قوله : نعمت مطية المؤمن الخ وبهذا يرتفع التعارض بين الحديثين.
واعلم أن حقيقة اللعن هو الطرد عن الحضرة الإلهية إلى طلب شهوات الدنيا وتعب وجدانها وتعب فقدانها، فهو اللعنة الدنيوية وأما اللعنة يوم القيامة، فبالبعد والخسران والحرمان وعذاب النيران فالنفس إذا لم تقبل نصيحة هود القلب، وتركت مشارب القلب الدينية الباقية من لوامع النورانية وطوامع الروحانية وشواهد الربانية، وأقبلت على المشارب الدنيوية الفانية من الشهوات والمستلذات الحيوانية وثناء الخلق والجاه عندهم وأمثال هذا فقد جاء في حقها ألا بعدا أي : طرداً وفرقة وقطيعة وحسرة لها عصمنا الله، وإياكم من مكايد النفس الأمارة وشرفنا بصلاح الحال إلى آخر الأعمال والآجال.
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٠
﴿وَإِلَى ثَمُودَ﴾ أي : وأرسلنا إلى ثمود وهي قبيلة من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عاد بن إرم بن سام.
وقيل إنما سموا بذلك لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل، في تفسير أبي الليث إنما لم ينصرف لأنه اسم قبيلة وفي الموضع الذي ينصرف جعله اسماً للقوم.
أخاهم أي : واحداً منهم في النسب.
صالحاً عطف بيان لأخاهم وهو صالح بن عبيد بن آسف بن ماسخ بن عبيد بن خاور بن ثمود قال استئناف بياني كأن قائلاً قال : فما قال : لهم صالح حين أرسل إليهم؟ فقيل : قال يا قوم (اي قوم من) اعبدوا الله وحده لأنه ما لكم من إله غيره (نيست شمارا معبودي جزوى) هو لا غيره لأنه فاعل معنوي وتقديمه يدل على القصر أنشأكم كونكم وخلقكم من الأرض من لابتداء الغاية، أي : ابتداء إنشاءكم منها فإنه خلق آدم من التراب، وهو أنموذج منطو على جميع ذرياته التي ستوجد إلى يوم القيامة انطواء إجمالياً، لأن كل واحد منهم مخلوق من المني، ومن دم الطمث، والمني : إنما يتولد من الدم والدم إنما يتولد من الأغذية، وهي إما حيوانية، أو نباتية، والنباتية إنما تتولد من الأرض، والأغذية الحيوانية لا بد أن تنتهي إلى الأغذية النباتية المتولدة من الأرض، فثبت أنه تعالى
١٥٣
أنشأ الكل من الأرض.
واستعمركم فيها من العمر يقال : عمر الرجل يعمر عمراً بفتح العين وسكون الميم أي : عاش زمانا طويلاً واستعمره الله أي : أطال بقاءه، ونظيره بقي الرجل واستبقاه الله من البقاء أي : أبقاء الله فبناء استفعل للتعدية، والمعنى عمركم واستبقاكم في الأرض وبالفارسية (وزند كانى وبقاداد شمارا درزمين.
درمدارك مذكورست كه سال عمر هريك از ثمود از سيصد تاهزار بوده) ويجوز أن يكون من العمارة بالفارسية (آبادان كردن).