قال الكاشفي :(صالح عليه السلام دران وقت درميان قوم نبود وون بيامد حال با اوتقريد كردند) فقال لهم صالح تمتعوا أي : عيشوا في داركم في بلدكم ومنازلكم وتسمى البلاد الديار لأنه يدار فيها أي : يتصرف يقال : دياربكر لبلادهم وتقول العرب : الذين حوالي مكة نحن من عرب الدار يريدون من عرب البلد كما في بحر العلوم ثلاثة أيام الأربعاء والخميس والجمعة فإنهم عقروها ليلة الأربعاء وأهلكوا صبيحة يوم السبت كما في التبيان قيل : قال : لهم تصبح وجوهكم غداً مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة ثم يصبحكم العذاب وكان كما قال : ذلك إشارة إلى ما يدل عليه الأمر بالتمتع ثلاثة أيام من نزول العذاب عقيبها.
وعد غير مكذوب أي : غير كذب كالمجلود بمعنى الجلد الذي هو الصلابة والجلادة أو غير مكذوب فيه فحذف حرف الجر فاتصل الضمير باسم المفعول، بإقامته مقام المفعول به توسعا كما يقال : شهدناه والأصل شهدنا فيه فأجرى الظرف مجرى المفعول، وذلك لأن الوعد إنما يوصف بكونه غير مكذوب إذا كان من شأنه أن يكون مكذوباً وليس كذلك، لأن المصدوق والمكذوب من كان مخاطباً بالكلام المطابق للواقع وغير
١٥٨
الواقع وقلما يوصف بهما إلا الإنسان الصالح للخطاب.
والإشارة أن القوم إنما فعلوا ذلك جهلاً منهم بحقيقة الأمر ولا داء أدوأ من الجهل والدنيا مسكن النفس ومقرها، والتمتع فيها ثلاثة أيام اليوم الأول : هو يوم الجهل وفيه تصفر الوجوه، واليوم الثاني : هو يوم الغفلة وفيه تحمر الوجوه، واليوم الثالث : هو يوم الرين والختم على القلوب وفيه تسود الوجوه فلا يبقى إلا العذاب.
فعلى العاقل أن يزيل حجاب الجهل بمعرفة الله تعالى والغفلة باليقظة قبل حصول الرين فإنه عند حصوله لا يوجد له العلاج فإنه الداء العضال ونعوذ بالله تعالى، وكما تتلون الوجوه بنار الجلال كذلك تتلون بنور الجمال كما قال : ذو النون المصري، بينما أنا في طريق البصرة إذ سمعت قائلاً يقول يا شفيق يا رفيق ارفق بنا، فطلبت الصوت فإذا أنا بجارية متطلعة من قصر مشرف فقلت أراك مسفرة بغير خمار فقالت : ما يصنع بالخمار وجه قد علاه الصفار، قلت ومم الصفار؟ قالت : من الخمار قلت يا جارية عساك تناولت من الشراب قالت : نعم شربت البارحة بكأس الودّ مسرورة فأصبحت غداة صباحي هذا من شوقه مخمورة قلت أراك حكيمة فعظيني قالت : عليك بالسكوت ولزوم خدمته في ظلم البيوت حتى يتوهم الناس إنك مبهوت وارض من الله بالقوت واستعد ليوم تموت، لكي يبني لك بيت في الملكوت، أساسه من الزبرجد والياقوت.
وفي المثنوى :
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٧
روح همون صالح وتن ناقه است
روح اندر وصل وتن در فاقه است
روح صالح قابل آفات نيست
زخم بر ناقه بود بر ذات نيست
جسم خاكى را بدو يوسته جان
تا بيازارند وبينند امتحان
بي خبر كازار اين آزار أوست
آب اين خم متصل باآب جوست
ناقه جسم ولي را بنده باش
تاشوى باروح صالح خواجه تاش
جزء : ٤ رقم الصفحة : ١٥٧
﴿فَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا﴾ (س آن هنكام كه آمد فرمان ما بعذاب ايشان) نجينا التنجية (نجات دادن) صالحاً والذين آمنوا معه متعلق بنجينا أو بآمنوا وهو الأظهر إذ المراد آمنوا كما آمن صالح واتبعوه في ذلك لا أن زمان إيمانهم مقارن لزمان إيمانه فإن ايمان الرسول مقدم على إيمان من اتبعه من المؤمنين برحمة أي : ملتبسين بمجرد رحمة عظيمة منا وفضل لا بأعمالهم كما هو مذهب أهل السنة قال في التأويلات النجمية : هي توفيق أعمال النجاة.
وقال في الإرشاد : هي بالنسبة إلى صالح النبوة وإلى المؤمنين الإيمان ومن خزى يومئذٍ عطف على نجينا، أي : ونجيناهم من خزى يومئذٍ، أي : من زله ومهانته وفضيحته ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وانتقامه.
قال ابن الشيخ : كرر نجينا لبيان ما نجاهم منه وهو هلاكهم يومئذٍ أي : يوم إذ جاء أمرنا فإن إذ مضافة إلى جملة محذوفة عوض عنها التنوين أو هو الذل والهوان الذي نزل بهم في ذلك اليوم ولزمهم بحيث بقي ما لحقهم من العار بسببه مأثوراً عنهم ومنسوباً إليهم إلى يوم القيامة، فإن معنى الخزى العيب الذي تظهر فضيحته ويستحيى من مثله.
واعلم أن ظرف الزمان إذا أضيف إلى مبنى جاز فيه البناء والأعراب فمن قرأ بفتح الميم بناه لإضافته إلى مبنى وهو اذ الغير المتمكن ومن قرأ بكسرها أعربه لإضافة الخزي إليه،
١٥٩
والقراءة الأولى لنافع والكسائي والثانية لغيرهما.
إن ربك يا محمد هو القوي القادر على كل شيء العزيز الغالب عليه لا غيره.
وقال الكاشفي : هو القوي (اوست توانا بنجات مؤمنان العزيز غالب بر دشمان بر هلاك ايشان) ولكون الأخبار بتنجية الأولياء لا سيما عند الأنباء بحلول العذاب أهم، ذكرها أو لا ثم أخبر بهلاك الأعداء فقال :


الصفحة التالية
Icon