ثوابها ووبالها إلى غيركم فاللام على أصلها وهو الاختصاص.
قال سعدي المفتي الأولى أن تكون للاستحقاق كما في قوله لهم عذاب في الدنيا.
قال في "تفسير النيسابوري" : قال أهل الإشارة إنه أعاد الإحسان ولم يذكر الإساءة إلا مرة ففيه دليل على أن جانب الرحمة أغلب ويجوز أن يترك تكريره استهجاناً ﴿فَإِذَا جَآءَ﴾ (س ون بيايد) ﴿وَعْدُ الاخِرَةِ﴾ أي حان وقت ما وعد من عقوبة المرة الآخرة من الإفسادين (دويست ودوسال) ﴿لِيَسُـاُوا وُجُوهَكُمْ﴾ يقال : ساءه مساءة فعل به ما يكره وهو متعلق بفعل حذف لدلالة ما سبق عليه أي بعثناهم ليجعلوا آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم فأريد بالوجوه الحقيقية وآثار الأعراض النفسانية في القلب تظهر في الوجه.
وفي الكواشي وخصت الوجوه بالمساءة والمراد أهلها لأن أول ما يظهر من الحزن عليها ﴿وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ﴾ الأقصى ويخربوه ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٣
وخربوه ﴿وَلِيُتَبِّرُوا﴾ أي ليهلكوا ﴿مَا عَلَوْا﴾ كل شيء علوه واستولوا عليه أو بمعنى مدة علوهم ﴿تَتْبِيرًا﴾ إهلاكاً فظيعاً لا يوصف والمراد بهم طرطوس الرومي وجنوده كما سبق.
وقال بعضهم : سلط الله عليهم الفرس فغزاهم ملك بابل من ملوك الطوائف اسمه هردوس قال لواحد من عظماء جنوده : كنت حلفت بالهي إذا ظفرت بأهل بيت المقدس لأقتلنهم حتى يسيل دماؤهم وسط عسكري فأمره أن يقتلهم فدخل بيت المقدس فقام في البقعة التي كانوا يقربون فيها قربانهم فوجد فيها دماً يغلي فسألهم عنه فقالوا : دم قربان لم يقبل منا فقال : ما صدقتموني فقتل على ذلك الدم سبعين ألفاً من رؤسائهم وغلمانهم وأزواجهم فلم يهدأ الدم ثم قال : إن لم تصدقوني ما تركت منكم أحداً فقالوا : إنه دم نبي كان ينهانا ويخبرنا بأمركم فلم نصدقه فقتلناه فهذا دمه فقال : ما كان اسمه قالوا : يحيى بن زكريا قال : الآن صدقتموني لمثل هذا ينتقم ربكم منكم، وكان قتل يحيى ملك من بني إسرائيل يقال له لاخت حمله على قتله امرأة اسمها اربيل وكانت قتلت سبعة من الأنبياء وقتل يحيى كان بعد رفع عيسى فلما رأى أنهم صدقوا خر ساجداً ثم قال : يا يحيى قد علم ربي وربك ما أصاب قومك من أجلك وما قتل منهم فاهدأ بإذن الله قبل أن لا أبقي أحداً منهم فهدأ فرفع عنهم القتل وقال : آمنت بما آمنت به بنو إسرائيل وأيقنت أنه لا رب غيره وقال لبني إسرائيل إن هردوس أمرني أن أقتل منكم حتى تسيل دماؤكم وسط عسكره ولست أستطيع أن أعصيه قالوا : افعل ما أمرت فأمرهم أن يحفروا خندقاً ويذبحوا دوابهم حتى سال الدم في العسكر فلما رأى هردوس ذلك أرسل إليه أن أرفع عنهم القتل فسلب عنهم الملك والرياسة وضرب عليهم الذلة والمسكنة ثم انصرف إلى بابل وهي الوقعة الأخيرة النازلة على بني إسرائيل وبقي بيت المقدس خراباً إلى عهد خلافة عمر رضي الله عنه فعمره المسلمون بأمره.
قال الكاشفي :(حق سبحانه وتعالى درتوارت بعداز وعده اين دو عقوبت با ايشان كفته بود).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٣
﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾ (شايد كه رورد كار شما يا بني إسرائيل) ﴿أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ (آنكه رحمت كند برشما وباز شمارا منعم) أي بعد المرة الثانية أن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي فتابوا فرحمهم ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ مرة ثالثة إلى المعاصي.
قال سعيد المفتي الأولى كما في الكشاف مرة ثانية إذ العود مرتان والأول بدء لا عود إلا
١٣٤
أن يقال أول المرات كونهم تحت أيدي القبط ﴿عُدْنَا﴾ إلى عقوبتكم ولقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الأتاوة ونحو ذلك أو عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلّم وقصد قتله فعاد الله بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير وقدر الجزية على الباقين فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون وهم في عذاب من المؤمنين إلى يوم القيامة.
وفي "التأويلات النجمية"" :﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ إلى الجهل ﴿عُدْنَا﴾ إلى العدل بل إلى الفضل، وفي "المثنوي" :
ونكه بدكردى بترس ايمن مباش
زانكه تخمست وبروياند خداش
ند كاهى او بوشاند كه تا
آيد آخر زان شيمان تورا
بارها و شد ى اظهار فضل
باز كيرد از ى اظهار عدل
تاكه اين هردوصفت ظاهر شود
آن مبشر كردد اين منذر شود
﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـافِرِينَ حَصِيرًا﴾ أي محبساً ومقراً يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج منها أبد الآباد فهو فعيل بمعنى فاعل أي حاصرة لهم ومحيطة بهم وتذكيره إما لكونه بمعنى النسبة كلابن وتامر أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول أو بالنظر إلى لفظ جهنم إذ ليس فيه علامة التأنيث.
وعن الحسن حصيراً اي بساطا كما يبسط الحصير المرمول والحصير المنسوج وإنما سمي الحصير لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤