﴿عَسَى رَبُّكُمْ﴾ (شايد كه رورد كار شما يا بني إسرائيل) ﴿أَن يَرْحَمَكُمْ﴾ (آنكه رحمت كند برشما وباز شمارا منعم) أي بعد المرة الثانية أن تبتم توبة أخرى وانزجرتم عن المعاصي فتابوا فرحمهم ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ مرة ثالثة إلى المعاصي.
قال سعيد المفتي الأولى كما في الكشاف مرة ثانية إذ العود مرتان والأول بدء لا عود إلا
١٣٤
أن يقال أول المرات كونهم تحت أيدي القبط ﴿عُدْنَا﴾ إلى عقوبتكم ولقد عادوا فأعاد الله عليهم النقمة بأن سلط عليهم الأكاسرة ففعلوا بهم ما فعلوا من ضرب الأتاوة ونحو ذلك أو عادوا بتكذيب محمد صلى الله عليه وسلّم وقصد قتله فعاد الله بتسليطه عليهم فقتل قريظة وأجلى بني النضير وقدر الجزية على الباقين فهم يعطونها عن يد وهم صاغرون وهم في عذاب من المؤمنين إلى يوم القيامة.
وفي "التأويلات النجمية"" :﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾ إلى الجهل ﴿عُدْنَا﴾ إلى العدل بل إلى الفضل، وفي "المثنوي" :
ونكه بدكردى بترس ايمن مباش
زانكه تخمست وبروياند خداش
ند كاهى او بوشاند كه تا
آيد آخر زان شيمان تورا
بارها و شد ى اظهار فضل
باز كيرد از ى اظهار عدل
تاكه اين هردوصفت ظاهر شود
آن مبشر كردد اين منذر شود
﴿وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَـافِرِينَ حَصِيرًا﴾ أي محبساً ومقراً يحصرون فيه لا يستطيعون الخروج منها أبد الآباد فهو فعيل بمعنى فاعل أي حاصرة لهم ومحيطة بهم وتذكيره إما لكونه بمعنى النسبة كلابن وتامر أو لحمله على فعيل بمعنى مفعول أو بالنظر إلى لفظ جهنم إذ ليس فيه علامة التأنيث.
وعن الحسن حصيراً اي بساطا كما يبسط الحصير المرمول والحصير المنسوج وإنما سمي الحصير لأنه حصرت طاقاته بعضها فوق بعض.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤
واعلم أن جهنم عصمني الله وإياك منها من أعظم المخلوقات وهي سجن الله في الآخرة يسجن فيه المعطلة أي نفاة الصانع والمشركون والكافرون والمنافقون وأهل الكبائر من المؤمنين ثم يخرج بالشفاعة وبالامتنان الإلهي من جاء النص الإلهي فيه وأوجدها الله تعالى بطالع الثور ولذلك خلقها الله تعالى في صورة الجاموس وجميع ما يخلق فيها من الآلام التي يجدها الداخلون فيها فمن صفة الغضب الإلهي ولا يكون ذلك عند دخول الخلق فيها من الجن والإنس متى دخلوها وأما إذا لم يكن فيها أحد من أهلها فلا ألم فيها في نفسها ولا في نفس ملائكتها بل هي ومن فيها من زبانيتها في رحمة الله لمنغمسون ملتذون يسبحون الله لا يفترون.
فعلى العاقل أن يتباعد عن الأسباب المقربة إلى النار ويستعيذ بالله من حرها وبردها آناء الليل وأطراف النهار ويرجو رحمة الله تعالى وهي في التسليم والتلقي من النبوة والوقوف عند الكتاب والسنة عصمنا الله وإياكم من المخالفة والعصيان وشرفنا بالموافقة والطاعة كل حين وآن وجعلنا من المخلصين في بابه المقبلين على جنابه المحترزين عن عذابه وعقابه.
﴿إِنَّ هَـاذَا الْقُرْءَانَ﴾ الذي آتيناك يا محمد ﴿يَهْدِى﴾ الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى ﴿لِلَّتِى﴾ للطريقة التي ﴿هِىَ أَقْوَمُ﴾ أي أقوم الطرائق وأسدها وأصوبها أعني ملة الإسلام والتوحيد والمراد بهدايته لها كونه بحيث يهتدي إليها من يتمسك به لا تحصيل الاهتداء بالفعل فإنه مخصوص بالمؤمنين ﴿وَيُبَشِّرُ﴾ (مده ميدهيد) ﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ بما في تضاعيفه من الأحكام والشرائع ﴿الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ التي شرحت فيه ﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ أي بأن لهم بمقابلة تلك الأعمال ﴿أَجْرًا كَبِيرًا﴾ بحسب الذات وبحسب التضعيف عشر مرات فصاعداً.
قال الكاشفي :(مزدي بزرك يعني بهشت)
١٣٥
وذلك لأنه يستصغر عند الجنة ونعيمها الدنيا وما فيها.
﴿وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ﴾ وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء ﴿أَعْتَدْنَا لَهُمْ﴾ (آماده كرديم براى ايشان) أي فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة ﴿عَذَابًا أَلِيمًا﴾ وهو عذاب جهنم والجملة وعطوفة على جملة يبشر بإضمار يخبر ويجوز أن يكون معطوفاً على أن لهم أجراً كبيراً فالمعنى أنه يبشر المؤمنين ببشارتين ثوابهم وعقاب أعدائهم فإن المرء يستبشر ببلية عدوه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤
يا وصال يار يا مرك عدو
بازىء رخ زين دو يك كارى كند
واعلم أن القرآن مظهر الاسم الهادي وهو كتاب الله الصامت والنبي عليه السلام كتاب الله الناطق وكذا ورثته الكمل بعده وأن الدلالة والإرشاد إنما تنفع المؤمنين العاملين بما فيه وهو لم يترك شيئاً من أمور الدين والدنيا الا وتكفل ببيانه إما إجمالاً أو تفصيلاً.
قال ابن مسعود رضي الله عنه إذا أردتم العلم فآثروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين.


الصفحة التالية
Icon