ـ روي ـ أنه تفكر بعض العارفين في أنه هل في القرآن شيء يقوي قوله عليه السلام :"يخرج روح المؤمن من جسده كما يخرج الشعر من العجين" فختم القرآن بالتدبر فما وجده فرأى النبي صلى الله عليه وسلّم في منامه وقال : يا رسول الله قال الله تعالى :﴿وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلا فِى كِتَـابٍ مُّبِينٍ﴾ (الأنعام : ٥٩) فما وجدت معنى هذا الحديث في كتاب الله تعالى فقال عليه السلام :"اطلبه في سورة يوسف" فلما انتبه من نومه قرأها فوجده وهو قوله :﴿فَلَمَّا رَأَيْنَه أَكْبَرْنَه وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ (يوسف : ٣١) أي : لما رأين جمال يوسف عليه السلام اشتغلن به وما وجدن ألم القطع وكذلك المؤمن إذا رأى ملائكة الرحمة ورأى أنعامه في الجنة وما فيها من النعيم والحور والقصور اشتغل قلبه بها ولا يجد ألم الموت وانفهم من الحكاية أن القارىء ينبغي أن يقرأ القرآن بتدبر تام حتى يصل إلى كل مرام وقد نهى النبي عليه السلام أن يختم القرآن في أقل من ثلاث وقال :"لم يفقه" أي لم يكن فقيهاً في الدين "من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" يعني : لا يقدر الرجل أن يتفكر ويتدبر في معنى القرآن في ليلة أو ليلتين لأنه يقرأ على العجلة حينئذٍ بل ينبغي أن يقرأ القرآن في ثلاث ليال أو أكثر حتى يقرأ عن طيب نفس ونشاطها ويتفرغ لتدبر معناه ولذا اختار بعضهم الختم في كل جمعة وبعضهم في كل شهر وبعضهم في كل سنة بحسب درجات التدبر والتفتيش ويغتنم الحضور للدعاء عند ختم القرآن فإنه يستجاب وفي الحديث :"من شهد خاتمة القرآن كان كمن شهد المغانم حين تقسم ومن شهد فاتحة القرآن كان كمن شهد فتحاً في سبيل الله" ففي الافتتاح عند الاختتام إحراز لهاتين الفضيلتين وإذلال للشيطان.
قال في "شرح الجزري" ينبغي أن يلح في الدعاء وأن يدعو بالأمور المهمة والكلمات الجامعة وأن يكون معظم ذلك أو كله في أمور الآخرة وأمور المسلمين وصلاح سلاطينهم وسائر ولاة أمورهم في توفيقهم للطاعات وعصمتهم من المخالفات وتعاونهم على البر والتقوى وقيامهم بالحق عليه وظهورهم على أعداء الدين وسائر المخالفين ومما يقول النبي عليه السلام عند ختم القرآن "اللهم ارحمني بالقرآن العظيم واجعله لي إماماً ونوراً وهدى ورحمة اللهم ذكرني منه ما نسيت وعلمني منه ما جهلت وارزقني تلاوته آناء الليل وأطراف النهار واجعله حجة لي يا رب العالمين" وكان أبو القاسم
١٣٦
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤
الشاطبي رحمه الله يدعو بهذا الدعاء عند ختم القرآن "اللهم إنا عبيدك وأبناء عبيدك وأبناء إمائك ماض فينا حكمك عدل فينا قضاؤك نسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في شيء من كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا وشفاء صدورنا وجلاء أحزاننا وهمومنا وسائقنا وقائدنا إليك وإلى جناتك جنات النعيم ودارك دار السلام مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين برحمتك يا أرحم الراحمين".
قال في "القنية" : لا بأس باجتماعهم على قراءة الإخلاص جهراً عند ختم القرآن ولو قرأ واحد واستمع الباقون فهو أولى انتهى.
وجه الأولوية أن الغرض الأهم من القراءة إنما هو تصحيح مبانيها لظهور معانيها ليعمل بما فيها وفي القراءة بصوت واحد يتشوش الخواطر مع أن بعض القارئين بالجمعية يأتي ببعض الكلمة والآخر ببعضها ويقع حذف الحرف والزيادة وتحريك الساكن وتسكين المحرك ومد القصر وقصر المد مراعاة للأصوات فيأثمون.
عشقت رسد بفرياد كرخود بسان حافظ
قرآن زبر بخواني در ار ده روايت
نسأل الله تعالى أن يوصلنا إلى حقائق القرآن وأسراره ويطلعنا على الحكم والمصالح في قصصه وأخباره ويجعلنا من أهل التحقيق إنه ولي التوفيق.
﴿وَيَدْعُ الانسَـانُ بِالشَّرِّ﴾ ويدعو الله عند غضبه بالشر واللعن والهلاك على نفسه وأهله وخدمه وماله.
والمراد بالإنسان الجنس أسند إليه حال بعض أفراده أو حكى عنه حاله في بعض أحيانه وحذفت واو يدع ويمح وسندع لفظاً كياء سوف يؤت الله ويناد المناد وما تغن النذر وصلاً لاجتماع الساكنين ووقفا وهي مرادة معنى حملاً للوقف على الوصل ولو وقف عليها اضطراراً لوقف بلا واو في ثلاثتها اتباعاً للإمام كما في الكواشي ﴿دُعَآءَه بِالْخَيْرِ﴾ مثل دعائه لهم بالخير والرزق والعافية والرحمة ويستجاب له فلو استجيب له إذا دعا باللعن كما يجاب له بالخير لهلك أو يدعوه بما يحسبه خيراً وهو شر في نفسه فينبغي أن يدعو بما هو خير عند الله تعالى لا بما يشتهيه ﴿وَكَانَ الانسَـانُ﴾ بحسب جبلته ﴿عَجُولا﴾ يسارع إلى طلب ما يخطر بباله ولا ينظر عاقبته ولا يتأنى إلى أن يزول عنه ما يعتريه.
قال الكاشفي :(تعجيل دارد در انقلاب ازحالي بحالي نه درسرا تحمل دار دونه درضرا نه در كرما شكيباست ونه درسرما).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤


الصفحة التالية
Icon