واعلم أن الدعاء إما بلسان الحقيقة وأما باعتبار السيئة المفضية إلى الشر الموجبة له فالإنسان عجول قولاً وفعلاً يتمادى في الأعمال الموجبة للشر والعذاب وفي الحديث :"المؤمن وقاف والمنافق وثاب" قال آدم عليه السلام لأولاده : كل عمل تريدون أن تعملوا فقفوا له ساعة فإني لو وقفت ساعة لم يكن أصابني ما أصابني قال أعرابي : إياكم والعجلة فإن العرب تكنيها أم الندامات، وفي "المثنوي" :
بيش سك ون لقمه نان افكنى
بوكندو انكه خورد اى مقتنى
اوببينى بوكند ما باخرد
هم ببو يئمش بعقل منتقد
قيل : العجلة من الشيطان إلا في ستة مواضع : أداء الصلاة إذا دخل الوقت، ودفن الميت إذا حضر وتزويج البكر إذا أدركت وقضاء الدين إذا وجب وإطعام الضيف إذا نزل وتعجيل
١٣٧
التوبة إذا أذنب.
ثم شرع في بيان بعض الهداية التكوينية التي أخبر بها القرآن الهادي فقال :
﴿وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ قدم الليل لأن فيه تظهر غرر الشهور أي : جعلناهما بسبب تعاقبهما واختلافهما في الطول والقصر ﴿ءَايَتَيْنِ﴾ دالتين على وجود الصانع القدير ووحدته إذ لا بد لكل متغير من مغير وإنما قال وجعلنا الليل والنهار آيتين وقال في موضع آخر :﴿وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّه ءَايَةً﴾ (المؤمنون : ٥٠) لأن الليل والنهار ضدان بخلاف عيسى ومريم وقيل لأن عيسى ومريم كانا في وقت واحد والشمس والقمر آيتان لأنهما في وقتين ولا سبيل إلى رؤيتهما معاً ﴿وَجَعَلْنَا الَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ الفاء تفسيرية والإضافة بيانية كما في إضافة العدد إلى المعدود أي : فمحونا الآية التي هي الليل.
والمحو في الأصل إزالة الشيء الثابت والمراد هنا إبداعها ممحوة الضوء مطموسة كما في قولهم سبحان من صغر البعوض وكبر الفيل أي : أنشأهما كذلك بقرينة أن محو الليل في مقابلة جعل النهار مضيئاً ﴿وَجَعَلْنَآ ءَايَةَ النَّهَارِ﴾ أي : الآية التي هي النهار ﴿مُبْصِرَةً﴾ مضيئة تبصر فيها الأشياء وصفها بحال أهلها ويجوز أن تكون الإضافة في المحلين حقيقية فالمراد بآية الليل والنهار والقمر والشمس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٣٤
ـ روي ـ أن الله تعالى خلق كلاً من نور القمر والشمس سبعين جزء ثم أمر جبريل فمسح بجناحه ثلاث مرات فمحا من القمر تسعة وستين جزأ فحولها إلى الشمس ليتميز الليل من النهار إذ كان في الزمن الأول لا يعرف الليل والنهار فالسواد الذي في القمر أثر المحو وهذا السواد في القمر بمنزلة الخال على الوجه الجميل ولما كان زمان الدولة العربية الأحمدية قمرياً ظهر عليه أثر السيادة على النجوم وهو السواد لأنه سيد الألوان كما ظهر على الحجر المكرم الذي خرج أبيض من الجنة أثر السيادة بمبايعة الأنبياء والأولياء عليهم السلام وجعل الله شهورنا قمرية لا شمسية تنبيهاً من الله للعارفين أن آياتهم ممحوّة من ظواهرهم مصروفة إلى بواطنهم فاختصوا من بين جميع الأمم الماضية بالتجليات الخاصة.
وقيل فيهم كتب في قلوبهم الإيمان مقابلة قوله فانسلخ منها قال تعالى :﴿لا الشَّمْسُ يَنابَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ﴾ (يس : ٤٠) أي : في علو المرتبة والشرف.
قال : حضرت شيخي وسندي قدس سره في "كتاب البرقيات" بعد تفصيل بديع ثم لآية الليل مرتبة الفرعية والتبعية ولآية النهار مرتبة الأصلية والاستقلالية لأن نور القمر مستفاد من نور الشمس ثم سر محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة هو نفي الاستواء وإثبات الامتياز حتى يتعين حد المستفيد وطوره بأن يكون أنزل بحسب الضعف والنقصان وحد المفيد وطوره بأن يكون ارفع بحسب القوة والكمال ويرتبط كل منهما بالآخر من غير تعد وتجاوز عن حده وطوره بل عرف كل قدره ولزوم مقامه حتى يطرد النظام والانتظام ويستمر القيام والدوام من غير خلل واختلال ثم هذا السر إشارة إلى سر أن لمظاهر الجلال مرتبة التبعية والفرعية ولمظاهر الجمال مرتبة الاستقلالية والأصلية لأن الإمداد الواصل إلى مظاهر الجلال لقيامهم ودوامهم وبقائهم مستقاد من مظاهر الجمال ولذا قيل : لولا الصلحاء لهلك الطلحاء وحكمة محو أفكار مظاهر الجلال عن الإصابة إلى الأخطاء وجعل أفكار مظاهر الجمال مبصرة مصيبة هو نفي المساواة وإثبات المباينة بينهما حتى يتحقق رتبة الأصل
١٣٨


الصفحة التالية
Icon