﴿مَّنِ اهْتَدَى﴾ (هركه راه يابد وبراه راست رود) أي : بهداية القرآن وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه ﴿فَإِنَّمَا يَهْتَدِى لِنَفْسِهِ﴾ فإنما تعود منفعة اهتدائه إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتد ﴿وَمَن ضَلَّ﴾ عن الطريقة التي يهديه إليها ﴿فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا﴾ فإنما وبال إضلاله عليها لا على من عداه ممن لم يباشره حتى يمكن مفارقة العمل من صاحبه.
وقال البيضاوي لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردى ضلاله سواه أي : في الآخرة وإلا ففي حكم الدنيا يتعدى نفع الاهتداء وضرر الضلال إلى الغير كما في "حواشي" سعدى المفتي ﴿وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾.
قال في "القاموس" الوزر بالكسر الإثم والثقل والحمل الثقيل انتهى أي : لا تحمل نفس حاملة للوزر أي : الاثم وزر نفس أخرى حتى يمكن تخلص النفس الثانية من وزرها ويختل ما بين العامل وعمله من التلازم بل إنما تحمل كل منهما وزرها فلا يؤاخذ أحد بذنب غيره وهذا تحقيق لمعنى قوله تعالى :﴿وَكُلَّ إِنسَـانٍ أَلْزَمْنَـاهُ طَائرَه فِى عُنُقِهِ﴾ وأما ما يدل عليه قوله تعالى :﴿مَّن يَشْفَعْ شَفَـاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّه نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَـاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّه كِفْلٌ مِّنْهَا﴾ (النساء : ٨٥) وقوله تعالى :﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَـامَةِا وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ (النحل : ٢٥) من حمل الغير وزر الغير وانتفاعه بحسنته وتضرره
١٤١
بسيئته فهو في الحقيقة انتفاع بحسنة نفسه وتضرر بسيئته فإن جزاء الحسنة والسيئة اللتين يعملهما العامل لازم له وإنما الذي يصل إلى من يشفع جزاء شفاعته لا جزاء أصل الحسنة والسيئة وكذلك جزاء الضلال مقصور على الضالين وما يحمله المضلون إنما هو جزاء الإضلال لا جزاء الضلال وقوله :﴿وَلا تَزِرُ﴾ الخ تأكيد للجملة الثانية وإنما خص بها قطعاً للأطماع الفارغة حيث كانوا يزعمون أنهم لم يكونوا على الحق فالتبعة على أسلافهم الذين قلدوهم والتبعة ما يترتب على الشيء من المضرة ويتفرع عليه من العقوبة.
وقال الكاشفي :(وليد بن مغيرة كافرانرا ميكفت متابعت من كنيد ومن كناهان شمارا بردارم حق سبحانه وتعالى ميفر ما يدكه هر نفسى بارخود خواهد برداشت نه بار ديكرى) هذا.
وقد قال بعضهم : المراد بالكتاب نفسه المنتقشة بآثار أعماله فإن كل عمل يصدر من الإنسان خيراً أو شراً يحدث منه في جوهر روحه أثر مخصوص إلا أن ذلك الأثر يخفي ما دام الروح متعلقاً بالبدن مشتغلاً بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقته عن البدن قامت قيامته لأن النفس كانت ساكنة مستقرة في الجسد وعند ذلك قامت وتوجهت نحو الصعود إلى العالم العلوي فيزول الغطاء وينكشف الأحوال ويظهر على لوح النفس نقش كل شيء عمله في مدة عمره وهذا معنى الكتابة والقراءة بحسب العقل وأنه لا ينافي ما ورد في النقل بل يؤيد هذا المعنى ما روى عن قتادة يقرأ ذلك اليوم من لم يكن في الدنيا قارئاً ثم المراد بالقيامة على هذا التفصيل هي القيامة الصغرى لكن هذا الكلام أشبه بقواعد الفلسفة كما في "حواشي" سعدى المفتي.
يقول الفقير : لا يخفى أن الآخرة جامعة للصورة والمعنى فللإنسان صحيفتان صحيفة عمله التي هي الكتاب وصحيفة نفسه فكل منهما ناطق عن عمله وحاله كما قال في "التأويلات النجمية" : يجوز أن يكون هذا الكتاب الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها نسخة نسخها الكرام الكاتبون بقلم أعماله في صحيفة أنفاسه من الكتاب الطائر الذي في عنقه ولهذا يقال له :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٠