ـ حكي ـ أن رجلاً جاء إلى الأستاذ أبي إسحق فقال : رأيت البارحة في المنام أن لحيتك مرصعة بالجواهر واليواقيت فقال : صدقت فإني البارحة مسحت لحيتي تحت قدم والدتي قبل أن نمت فهذا من ذاك ويباشر خدمتهما بيده ولا يفوضها إلى غيره لأنه ليس بعار للرجل أن يخدم معلمه وأبويه وسلطانه وضيفه ولا يؤمه للصلاة وإن كان أفقه منه أي : أعلم بالفقه من الأدب ولا يمشي أمامهما إلا أن يكون لإماطة الأذى عن الطريق ولا يتصدر عليهما في المجلس ولا يسبق عليهما في شيء أي : في الأكل والشرب والجلوس والكلام وغير ذلك.
قال الفقهاء : لا يذهب بأبيه إلى البيعة وإذا بعث إليه منها ليحمله فعل ولا يناوله الخمر ويأخذ الإناء منه إذا شربها.
وعن أبي يوسف إذا أمره أن يوقد تحت قدره وفيها لحم الخنزير أوقد كما في "بحر العلوم" ولا ينسب إلى غير والديه استنكافاً منهما فإنه يستوجب اللعنة قال عليه السلام :"فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً" أي : نافلة وفريضة كما في "الأسرار المحمدية".
قال في "القاموس" : الصرف في الحديث التوبة والغدل الفدية أو هو النافلة والعدل الفريضة أو بالعكس أو هو الوزن والعدل الكيل أو هو الاكتساب والعدل الفدية ﴿وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا﴾ وادع الله أن يرحمهما برحمته الباقية ولا تكتف برحمتك الفانية وإن كانا كافرين لأن من الرحمة أن يهديهما إلى الإسلام.
قال الكاشفي :(حقيقت دعا رحمت ازولد درحق والدين آنست كه اكر مؤمن اند ايشانرا ببهشت رسان واكر كافراند راه نماى باسلام وايمان).
قال ابن عباس : ما زال إبراهيم عليه السلام يستغفر لأبيه حتى مات فلما تبين له أنه عدوتبرأ منه يعني ترك الدعاء ولم يستغفر له بعدما مات على الكفر كذا في "تفسير أبي الليث" وفي الحديث :"إذا ترك العبد الدعاء للوالدين ينقطع عنه الرزق في الدنيا" سئل ابن عيينة عن الصدقة عن الميت فقال : كل ذلك واصل إليه ولا شيء أنفع له من الاستغفار ولو كان شيء أفضل منه لأمرت به في الأبوين ويعضده قوله عليه السلام :"إن الله ليرفع درجة العبد في الجنة فيقول : يا رب أنى لي هذا؟ فيقول : باستغفار ولدك" وفي الحديث :"من زار قبر أبويه أو أحدهما في كل جمعة كان باراً" قال الشيخ سعدي قدس سره :
سالها بر تو بكذردكه كذر
نكنى سوى تربت درت
تو بجاى دره كردى خير
تاهمان شم دارى ازسرت
﴿كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا﴾ الكاف في محل النصب على أنه نعت مصدر محذوف أي : رحمة مثل رحمتهما عليّ وتربيتهما وإرشادهما لي في حال صغري وفاء بوعدك للراحمين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
ـ روي ـ أن رجلاً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إن أبوي بلغا من الكبر أني ألي منهما ما وليا مني في الصغر فهل قضيتهما حقهما؟ قال :"لا فإنهما كانا يفعلان ذلك وهما يحبان بقاءك وأنت تفعل ذلك
١٤٨
وأنت تريد موتهما".
﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ﴾ بما في ضمائركم من قصد البر والتقوى وكأنه تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالاً ﴿إِن تَكُونُوا صَـالِحِينَ﴾ قاصدين الصلاح والبر دون العقوق والفساد ﴿فَإِنَّهُ﴾ تعالى ﴿كَانَ لِلاوَّابِينَ﴾ أي : الرجاعين إليه تعالى مهما فرط منهم مما لا يكاد يخلو عنه البشر ﴿غَفُورًا﴾ لما وقع منهم من نوع تقصير أو أذية فعلية أو قولية.
قال الإمام الغزالي رحمه الله : أكثر العلماء على أن طاعة الوالدين واجبة في الشبهات ولم تجب في الحرام المحض لأن ترك الشبهة ورع ورضى الوالدين حتم أي : واجب.
قيل : إذا تعذر مراعاة حق الوالدين جميعاً بأن يتأذى أحدهما بمراعاة الآخر يرجح حق الأب فيما يرجع إلى التعظيم والاحترام لأن النسب منه ويرجع حق الأم فيما يرجع إلى الخدمة والإنعام حتى لو دخلا عليه يقوم للأب ولو سألا منه شيئاً يبدأ في الإعطاء بالأم كما في "منبع الآداب".
قال الفقهاء تقدم الأم على الأب في النفقة إذا لم يكن عند الولد إلا كفاية أحدهما لكثرة تعبها عليه وشفقتها وخدمتها ومعاناة المشاق في حمله ثم وضعه ثم إرضاعه ثم تربيته وخدمته ومعالجة أوساخه وتمريضه وغير ذلك كما في "فتح القريب" :
جنت سراى ما درانست
زير قد مات ما درانست
روزى بكن اي خداى مارا
يزى كه رضاي ما درانست


الصفحة التالية
Icon