ـ وشكا ـ رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم أباه وأنه يأخذ ماله فدعا به فإذا شيخ يتوكأ على عصا فسأله فقال : إنه كان ضعيفاً وأنا قوي وفقيراً وأنا غني فكنت لا أمنعه شيئاً من مالي واليوم أنا ضعيف وهو قوي وأنا فقير وهو غني ويبخل عليّ بماله فبكى عليه السلام فقال :"ما من حجر ولا مدر يسمع هذا إلا بكى" ثم قال للولد "أنت ومالك لأبيك" وفي الحديث :"رغم أنفه" فقيل : من يا رسول الله؟ قال :"من أدرك والداه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة" يعني بسبب برهما وإحسانهما : وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول :"لولا أني أخاف تغير الأحوال عليكم بعدي لأمرتكم أن تشهدوا لأربعة أصناف بالجنة : أولهما امرأة وهبت صداقها من زوجها لأجل الله تعالى وزوجها راضضٍ، والثاني : ذو عيال كثير يجهد في المعيشة لأجلهم حتى يطعمهم الحلال، والثالث التائب على أن لا يعود إليه أبداً كاللبن لا يعود إلى الثدي، والرابع البار بوالديه" ويجب على الأبوين أن لا يحملا الولد على العقوق بسوء المعاملة والجفاء ويعيناه على البر.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
ـ وحكي ـ عن بعض العرفاء أنه قال : إن لي ابناً منذ ثلاثين سنة ما أمرته بأمر مخافة أن يعصيني فيحق عليه العذاب.
يقول الفقير : فسد الزمان وتغير الإخوان ولنبككِ على أنفسنا من سوء الأخلاق وقد كانت الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ وهم هم يبكون دماً من أخلاق النفس فما لنا لا نبكي ونحن منغمسون في بحر الخطايا والذنوب متورطون في بئر القبائح والعيوب لا إنصاف لنا في حق أنفسنا ولا في حق الغير ونعم ما قال الحافظ حكاية لهذا التغير الناشيء من النفس الأمارة بالسوء :
هي رحمى نه برادر به برادر دارد
هي شوقى نه دررا به سر مى بينم
دخترانرا همه جنكست وجدل بامادر
سرانرا همه بدخواه در مى بينم
١٤٩
جاهلان راهمه شربت زكلابست وعسل
قوت داناهمه از قوت جكر مى بينم
اسب تازى شده مجروح بزير الان
طوق زرين همه بركردن خر مى بينم
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٤٧
﴿وَءَاتِ﴾ يا أفضل المخلوق ويدخل فيه كل واحد من أمته ﴿ذَا الْقُرْبَى﴾ أي : القرابة وهم المحارم مطلقاً عند أبي حنيفة رحمه الله سواء كانت قرابتهم ولادية كالولد والوالدين أو غير ولادية كالاخوة والأخوات ﴿حَقَّهُ﴾ وهي النفقة أي : إذا كانوا فقراء.
اعلم أنه لا يجب على الفقير إلا نفقة أولاده الصغار الفقراء ونفقة زوجته غنية أو فقيرة مسلمة أو كافرة وأما الغني وهو صاحب النصاب الفاضل عن الحوائج الأصلية ذكراً كان أو أنثى فيجب عليه نفقة الأبوين ومن في حكمهما من الأجداد والجدات إذا كانوا فقراء سواء كانوا مسلمين أو كافرين وهذا إذا كانوا ذمة فإن كانوا حرباً لا يجب وإن كانوا مستأمنين.
ويجب نفقة كل ذي رحم محرم مما سوى الوالدين إن كان فقيراً صغيراً أو أنثى أو زمناً أو أعمى ولا يحسن الكسب لخرقه فإن كان قادراً عليه لا يجب اتفاقاً أو لكونه من الشرفاء والعظماء.
وتجب نفقة الأبوين مع القدرة على الكسب ترجيحاً لهما على سائر المحارم وطالب العلم إذا لم يقدر على الكسب لا تسقط نفقته على الأب كالزمن فإن نفقة البنت بالغة والابن زمناً بالغاً على الأب وإذا كان للفقير أب غني وابن غني فالنفقة على الأبوين ولا نفقة مع اختلاف الدين إلا بالزوجية كما سبق والولاد فنفقة الأصول الفقراء مسلمين أو لا على الفروع الأغنياء ونفقة الفروع الفقراء مسلمين أو لا على الأصول الأغنياء فلا تجب على النصراني نفقة أخيه المسلم ولا على المسلم نفقة أخيه النصراني لعدم الولاء بينهما ويعتبر في نفقة قرابة الولاد أصولاً وفروعاً الأقرب فالأقرب وفي نفقة ذي الرحم يعتبر كونه أهلاً للإرث ولا يجب النفقة لرحم ليس بمحرم اتفاقاً كأبناء العم بل حقهم صلتهم بالمودة والزيارة وحسن المعاشرة والموافقة والتفصيل في باب النفقة في الفروع فارجع إليه وفي الحديث :"البر والصلة يطيلان الأعمار ويعمران الديار ويكثران الأموال" وإن كان القوم فجاراً وإن البر والصلة ليخففان الحساب يوم القيامة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٠