وثامنها : الخيانة فبدلها بالأمانة بقوله :﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ﴾ الآية.
واحتضر رجل فإذا هو يقول : جبلين من نار جبلين من نار فسئل أهله عن عمله فقالوا : كان له مكيالان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أتى رسول الله التجار فقال :"يا معشر التجار إن الله باعثكم يوم القيامة فجاراً إلا من صدق ووصل وأدى الأمانة" وفي "نوابغ الكلم" الأمين آمن والخائن حائن وهو من الحين بمعنى الهلاك ولله در القائل :
امين مجوى ومكو باكسى امانت عشق
درين زمانه مكر جبرائيل امين باشد
﴿وَلا تَقْفُ﴾ أي : لا تتبع من قفا أثره يقفو تبعه ومنه سميت القافية قافية ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ﴾ أي : لا تكن في اتباع ما لا علم لك به من قول أو فعل كمن يتبع مسلكاً لا يدري أنه يوصله إلى مقصده.
قال الزمخشري وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح لأن ذلك نوع من العلم فقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم وأمر بالعمل به انتهى.
يعني أن الاعتقاد الراجح في حكم الاعتقاد الجازم للإجماع على وجوب العمل بالشهادة والاجتهاد في القبلة ونحو ذلك فلا دليل في الآية على من منع اتباع الظن والعمل بالقياس كالظاهرية ﴿إِنَّ السَّمْعَ﴾ (بدرستى كه كوش) ﴿وَالْبَصَرَ﴾ (وشم) ﴿وَالْفُؤَادَ﴾ (ودل) ﴿كُلُّ أُولَئكَ﴾ أي : كل واحد من هذه الجوارح فأجراها مجرى العقلاء لما كانت مسئولة عن أحوالها شاهدة على أصحابها ﴿كَانَ عَنْهُ﴾ عن نفسه وعما فعل به صاحبه ﴿مَّسْـاُولا﴾ (رسيده شده يعني از ايشان خواهند رسيدكه صاحب شما باشما ه معامله كرده از سمع سؤال كنند ه شنيدى واز شم رسندكه ه ديدى ورا ديدى واز دل رسندكه ه دانستى ورا دانستى).
قال في "بحر العلوم" : اعلم أن المراد بالنهي عن اتباع كل ما فيه جهل مما يتعلق بالسمع والبصر والقلب كأنه تعالى قال : لا تسمع كل ما لا يجوز سماعه ولا تبصر كل ما لا يجوز إبصاره ولا تعزم على كل ما لا يجوز لك العزم عليه لأن كل واحد منها يسأله الله تعالى ويجازيه ولم يذكر اللسان مع أنه من أعظمها لأن السمع يدل عليه لأن ما يكب الناس على مناخرهم في نار جهنم إلا حصائد ألسنتهم وتلك الحصائد من قبل المسموعات اللازمة للسمع.
وفي الآية دلالة على أن العبد مؤاخذ بعزمه على المعصية كما قال تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٥
﴿وَلَـاكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ (البقرة : ٢٢٥) أي : بما كسبت مما يدخل تحت الاختيار من خبائث أعمال القلب من حيث الدنيا ومن الرياء والعجب والحسد والكبر والنفاق
١٥٧
مثلاً وأما ما لا يدخل تحت الاختيار فلا يؤاخذ به ألا ترى إلى قوله عليه السلام :"عفى عن أمتي ما حدثت بها نفوسها".
قال في "الأشباه والنظائر" حديث النفس لا يؤاخذ به ما لم يتكلم أو يعمل به كما في حديث مسلم وحاصل ما قالوه : إن الذي يقع في النفس من قصد المعصية على خمس مراتب : الهاجس وهو ما يلقى فيها ثم جريانه فيها وهوالخاطر ثم حديث النفس وهو ما يقع فيها من التردد هل يفعل أو لا ثم الهم وهو ترجيح قصد العمل ثم العزم وهو قوة ذلك القصد والجزم به فالهاجس لا يؤاخذ به إجماعاً لأنه ليس من فعله وإنما هو شيء أورد عليه لا قدرة له على رده ولا صنع والخاطر الذي بعده كان قادراً على دفعه بصرف الهاجس أول وروده ولكن هو وما بعده من حديث النفس مرفوعان بالحديث الصحيح وإذا ارتفع حديث النفس ارتفع ما قبله بالأولى.
وقال بعض الكبار : جميع الخواطر معفوة إلا بمكة المكرمة ولهذا اختار عبد الله بن عباس رضي الله عنهما السكنى بالطائف احتياطاً لنفسه ثم هذه الثلاث لو كانت في الحسنات لم يكتب له بها أجر لعدم القصد وأما الهم فقد بين في الحديث الصحيح :"إن الهم بالحسنة يكتب حسنة والهم بالسيئة لا يكتب عليه سيئة وينتظر فإن تركهاتعالى كتب حسنة وإن فعلها كتب سيئة واحدة" والأصح في معناه أنه يكتب عليه الفعل وحده وهو معنى قوله واحدة وأن الهم مرفوع وأما العزم فالمحققون على أنه يؤاخذ به ومنهم من جعله من الهم المرفوع.
وفي "البزازية" : من كتاب الكراهية هم بمعصية لا يأثم إن لم يصمم عزمه عليه وإن عزم يأثم إثم العزم لا إثم العمل بالجوارح إلا أن يكون أمراً يتم بمجرد العزم كالكفر.
واعلم أن قوله تعالى :﴿وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِه عِلْمٌ﴾ إشارة إلى تاسع الخصال العشر وهو الظلم وهو وضع الشيء في غير موضعه باستعمال الجوارح والأعضاء على خلاف ما أمر به فبدله بالعدل بقوله :﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أولئك كَانَ عَنْهُ مَسْـاُولا﴾ فظلم السمع استعماله في استماع الغيبة واللغو والرفث والبهتان والقذف ولملاهي والفواحش وعدله استعماله في استماع القرآن والأخبار والعلوم والحكم والمواعظ والنصيحة والمعروف وقول الحق :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٥
كذركاه قرآن وندست كوش
به بهتان وباطل شنيدن مكوش


الصفحة التالية
Icon