وظلم البصر النظر إلى المحرمات والشهوات وإلى من فوقه في دنياه وإلى من دونه في دينه وإلى متاع الدنيا وزينتها وزخارفها وعدله النظر في القرآن والعلوم وإلى وجه العلماء والصلحاء وإلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد موتها وإلى الأشياء بنظر الاعتبار وإلى من دونه في دنياه وإلى من فوقه في دينه :
دوشم از ى صنع بارى نكوست
نه عيب برا در فرو كيرو دوست
وقد ثبت عن علي رضي الله عنه أنه ما نظر إلى عورته وسوأته منذ ما تعلق نظره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بناء على أن الابصار الناظرة لوجهه عليه السلام لا يليق لها أن تنظر إلى السوأة فاعتبر وتأدب.
ونظيره ما قال عثمان رضي الله عنه ما كذبت منذ أسلمت وما مسست فرجي باليمين منذ بايعت النبي عليه السلام ولا أكلت الكراث ونحوه منذ قرآت القرآن وظلم الفؤاد قبول الحقد والحسد والعداوة وحب الدنيا والتعلق بما سوى الله تعالى وعدله تصفيته
١٥٨
عن هذه الأوصاف الذميمة وتحليته بتبديل هذه الصفات والتخلق بأخلاق الله تعالى :
ياى بيفشان از آيينه كرد
كه صيقل نكيرد و زنكار خورد
﴿وَلا تَمْشِ فِى الأرْضِ﴾ التقييد لزيادة التقرير ﴿مَرَحًا﴾ ذا مرح فهو مصدر وقع موقع الحال بمعنى التكبر والتبختر.
قال الكاشفي :(مرحا رفتن خداوند تكبر يعني مرام نانكه متكبران خرامند) والمراد النهي عن المشي بالتكبر والتعظم ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الارْضَ﴾ لن تجعل فيها خرقاً ونقباً بشدة وطأتك.
﴿وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولا﴾ بتطاولك فالمراد به هو الطول المتكلف الذي يتكلفه المختال وهو تهكم بالمتكبر وتعليل للنهي بأن التكبر حماقة مجردة ولن ينال الإنسان بكبره وتعظمه شيئاً من الفائدة وهو أي : الكبر عاشر الخصال العشر فإن المشية بالخيلاء من الكبر فبدله بالتواضع بقوله :﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ﴾ الآية :
زخاك آفريدت خداوند ياك
س اي بنده افتادكى كن وخاك
وفي الحديث "من تعظم في نفسه واختال في مشيته لقي الله وهو عليه غضبان".
وجود تو شهريست رنيك وبد
تو سلطان ودستور دانا خرد
هما ناكه دونان كردن فراز
درين شهر كبرست وسودا وآز
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٥
و سلطان عنايت كند بابدان
كجا ماند آسايش بخردان
وعن أبي هريرة أنه قال :"ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلّم كأنما الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله كأنما الأرض تطوي له إنا نجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث".
﴿كُلُّ ذَالِكَ﴾ إشارة إلى ما ذكر من الخصال الخمس والعشرين من قوله تعالى :﴿لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ﴾ فهو نهي عن اعتقاد أن مع الله الهاً آخر وهو أولاها والثانية والثالثة قوله :﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ﴾ فهو أمر بعبادة الله ونهى عن عبادة غيره والبواقي ظاهرة بعد الأوامر والنواهي ﴿كَانَ سَيِّئُهُ﴾ يعني المنهى عنه وهو أربع عشرة خصلة فإن المأمور به حسن وهو إحدى عشرة ثلاث مستترة وثمان ظاهرة كما في "بحر العلوم" ﴿عِندَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾ المراد به المبغوض المقابل للمرضي لا ما يقابل المراد لقيام القاطع على أن الحوادث كلها واقعة بإرادته تعالى.
فاندفع تمسك المعتزلة بالآية على مذهبهم في أن القبائح لا تتعلق بها الإرادة وإلا لاجتمع الضدان الإرادة والكراهة ووصف ذلك بمتعلق الكراهة مع أن البعض من الكبائر للإيذان بأن مجرد الكراهة عنده تعالى كافية في وجوب الانتهاء عن ذلك ولذا كان المكروه عند أهل التقوى كالحرام في لزوم الاحتراز ومن لم يعرفه تعدى إلى دائرة الإباحية فتدبر وتحفظ وتأدب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٥٥
﴿ذَالِكَ﴾ أي : الذي تقدم من التكاليف المفصلة ﴿مِمَّآ أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ﴾ أي : بعض منه أو من جنسه حال كونه ﴿مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ التي هي علم الشرائع ومعرفة الحق لذاته وهو مقصود الحكمة النظرية وعمدتها والخير للعمل به وهي الحكمة العلمية أو من الأحكام المحكمة التي لا يتطرق إليها النسخ والفساد ﴿وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ﴾ الخطاب للرسول والمراد غيرة ممن يتصور منه صدور المنهي عنه وتكريره للتنبيه بأن التوحيد مبدأ الأمر ومنتهاه فإن من لا قصد له بطل عمله ومن قصد بفعله أو تركه
١٥٩


الصفحة التالية
Icon