الآية يشير إلى كمال ظلومية الإنسان وكمال جهوليته أما كمال ظلوميته فإنهم ظنوا بالله سبحانه أنه من جنس الحيوانات التي من خاصيتها التوالد وأما كمال جهوليته فإنهم لم يعلموا أن الحاجة إلى التوالد لبقاء الجنس فإن الله تعالى باق أبدي لا يحتاج إلى التوالد لبقاء الجنس ولم يعلموا أن الله منزه عن الجنس وليست الملائكة من جنسه فإنه خالق أزلي أبدي وأما الملائكة فهم المخلوقون ومن كمال الظلومية والجهولية أنهم حسبوا أن الله تعالى إنما أصفاهم بالبنين واختار لنفسه البنات لجهله بشرف البنين على البنات فلهذا قال تعالى :﴿إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيمًا﴾ أي : قولاً ينبىء عن عظيم أمر ظلوميتكم وجهوليتكم ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ هذا المعنى وكررناه وبيناه.
قال الكاشفي :(وبدرستى كردانيديم ومكرر ساختيم برآيت خودرا ازولد) ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى﴾ على وجوه من التصريف في مواضع منه ﴿لِّيَذْكُرُوا﴾ أي : ليذكروا ما فيه ويقفوا على بطلان ما يقولونه ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ﴾ أي : والحال أنه ما يزيدهم ذلك التصريف البالغ ﴿إِلا نُفُورًا﴾ عن الحق وإعراضاً عنه.
قال الكاشفي :(مكر رميدن ازحق ودورشدن).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٠
﴿قُلْ﴾ في إظهار بطلان ذلك من جهة أخرى ﴿لَّوْ كَانَ مَعَهُ﴾ تعالى ﴿كَمَا يَقُولُونَ إِذًا﴾ أي : المشركون قاطبة والكاف في محل النصب على أنها وقعت صفة لمصدر محذوف أي : كوناً مشابهاً لما يقولون والمراد بالمشابهة الموافقة والمطابقة ﴿إِذَآ﴾ ﴿ابْتَغَوْا﴾ أي : طلبت تلك الآلهة ﴿إِلَى ذِى الْعَرْشِ﴾ (بسوى خداوند عرش) أي : إلى من له الملك والربوبية على الإطلاق ﴿سَبِيلا﴾ بالمغالبة والممانعة أي : ليغالبوه ويقهروه ويدفعوا عن أنفسهم العيب والعجز كما هو ديدن الملوك بعضهم مع بعض يشير إلى أن الآلهة لا يخلو أمرهم من أنهم كانوا أكبر منه أو كانوا أمثاله أو كانوا أدون منه فإن كانوا أكبر منه طلبوا طريقاً إلى إزعاج صاحب العرش ونزع الملك قهراً وغلبة ليكون لهم الملك لا له كما هو المعتاد من الملوك.
فالآية إشارة إلى برهان التمانع على تصويرها قياساً استثنائياً استثنى فيه نقيض التالي وإن كانوا أمثاله لم يرضوا بأن يكون الملك واحداً مثلهم وهم جماعة معزولون عن الملك فايضاً نازعوه في الملك وإن كانوا أدون منه فالناقص لا يصلح للإلهية إذاً لابتغوا إلى ذي العرش الكامل في الإلهية سبيلاً للخدمة والعبودية والقربة فالآية إشارة إلى قياس اقتراني تصويره لو فرض معه آلهة لتقربوا إليه بالطاعة وكل من تقربوا إليه بها لا يكونون آلهة فما فرض آلهة لا يكون آلهة فلو مستعمل لمجرد الشرط لا للامتناع والمراد بالآلهة ما هو من أولى العلم كعيسى وعزير والملائكة كذا في "التأويلات النجمية" مع مزج من "حواشي" سعدي
١٦١
المفتي.
﴿سُبْحَـانَه﴾ أي : تنزه بذاته تنزهاً حقيقاً به ﴿وَتَعَـالَى﴾ متباعداً ﴿عَمَّا يَقُولُونَ﴾ من أن معه آلهة وأن له بنات.
قال في "بحر العلوم" : هو تنزيه وتعجيب من قولهم أي ما أبعد من له الملك والربوبية وما أعلاه عما يقولون ﴿عَلَوْا﴾ واقع موقع تعالياً كقوله تعالى :﴿وَاللَّهُ أَنابَتَكُم مِّنَ الارْضِ نَبَاتًا﴾ (نوح : ١٧) أي : إنباتاً ﴿كَبِيرًا﴾ لا غاية وراءه كيف لا وأنه سبحانه في أقصى غايات الوجود وهو الوجود الذاتي وما يقولون من أن له تعالى شركاء وأولاداً في أبعد مراتب العدم أعني الامتناع.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٠
واعلم أن الله أحد في ذاته وواحد في صفاته والشرك إنما يجيىء من التوهم فكما أن للمشركين آلهة بحسب توهمهم فكذا لضعفاء المؤمنين بحسب جهلهم وغفلتهم كما قال الدينوري في قوله تعالى :﴿وَاجْنُبْنِى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصْنَامَ﴾ (إبراهيم : ٣٥) منهم من صنمه نفسه قال تعالى :﴿أَرَءَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـاهَه هَوَاـاهُ﴾ (الفرقان : ٤٣) ومنهم من صنمه زوجته في المحبة والإطاعة ومنهم من صنمه تجارته بأن اتكل عليها حتى ترك طاعة الله لأجلها.
ـ حكي ـ أن مالك بن دينار رحمه الله كان إذا قرأ في الصلاة ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ (الفاتحة : ٥) غشي عليه فسئل فقال : نقول إياك نعبد ونعبد أنفسنا أي : بإطاعة الهوى ونقول : إياك نستعين ونرجع إلى أبواب غيره :
اي تو بنده اين جهان محبوس جان
ند كويى خويش راخواجه جهانخدمت ديكر كنى هر صبح وشام
وانكهى كويى كه من حق لا غلامبنده حق در درش باشد مقيم
با خلوص واعتقاد مستقيم