وفي الآية إشارة إلى أن من قرأ القرآن حق قراءته ارتقى إلى أعلى مراتب القرب كما جاء في الأثر :"إن عدد آي القرآن على عدد درج الجنة فمن استوفى جميع آي القرآن استولى على أقصى درجة الجنة" واستيفاء جميع آي القرآن في الحقيقة هو التخلق بأخلاق القرآن فالقرآن من أخلاق الله وصفاته والمتخلق بأخلاقه
١٦٧
يكون متخلقاً بأخلاق الله وهذا يكون بعد العبور عن الحجب الظلمانية والنورانية تمكنا في مقعد صدق عند مليك مقتدر فهو الذي جعل بينه وبين الذي لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستوراً ولم يقل ساتراً لأن الججاب يستر الواصل عن المنقطع ولا يستر المنقطع عن الواصل فيكون الواصل بالحجاب مستوراً عن المنقطع كما في "التأويلات النجمية".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٢
وفيه إشارة إلى أن من تحصن بكتابه فهو في حصن حصين والمضيع لوقته من تحصن بعلمه أو بنفسه فيكون هلاكه في موضع أمنه :
هركه او بيرون شد از حصن خدا
جان او آخر شد از جسمش جدا
مرد حق بين كى كندتكيه بغير
هر قضا ون از خدا آيد بسير
﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية كثيرة جمع كنان وهو الغطاء ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ مفعول له أي : كراهة أن يفهموا القرآن على كنهه ويعرفوا أنه من عند الله تعالى وهو على رأي الكوفيين ولا يرضاه البصريون لقلة حذف لا بالنسبة إلى حذف المضاف وهذا تمثيل لتجافي قلوبهم عن الحق ونبوها عن قبوله واعتقاده كأنها في غلف وأغطية تحول بينها وبينه وتمنع من نفوذه فيها كما في "بحر العلوم" يقول الفقير : ذلك التجافي والنبو إنما هو من تراكم الحجب المعنوية على القلب والفطرة الأصلية وإن كانت مقتضية للفقه والإدراك والخروج إلى نور العلم لكن ظلمة تلك الحجب مانعة عن ذلك فالكلام وإن كان وارداً في صورة التمثيل لكنه على حقيقته في نفس الأمر ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ صمماً ونقلاً مانعاً عن سماعه اللائق به وهو تمثيل لمج أسماعهم للحق ونبوها عن الإصغاء إليه كأن بها صمماً يمنع عن سماعه ولما كان القرآن معجزاً من حيث اللفظ والمعنى أثبت لمنكريه ما يمنع عن فهم المعنى حق فهمه وإدراك اللفظ حق إدراكه ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ﴾ أي : واحداً غير مشفوع به آلهتهم أي : إذا قلت لا إله إلا الله وهو مصدر وقع موقع الحال أصله تحده وحده بمعنى واحداً وحده أي : منفرداً فحذف الفعل الذي هو الحال وأقيم المصدر مقامه ﴿وَلَّوْا عَلَى أَدْبَـارِهِمْ﴾ (باز كردند كافران بربشتهاى خود) اي هربوا ونفروا ﴿نُفُورًا﴾ هو مصدر كالقعود أو جمع نافر أي : أعرضوا ورجعوا حال كونهم نافرين والنفور (برميدن) كما في "التهذيب".
﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ﴾ ملتبسين ﴿بِهِ﴾ من اللغو والاستخفاف والهزؤ بك وبالقرآن فمحل به حال كما تقول يستمعون بالهزؤ أي : هازئين فالباء للملابسة ويجوز أن تكون للسببية أي : بسببه ولأجله.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٦٢
ـ ويروى ـ أنه كان يقوم عن يمينه صلى الله عليه وسلّم إذا قرأ رجلان من عبدالدار وعن يساره رجلان فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار.
﴿إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾ ظرف لاعلم وفائدته تأكيد الوعيد بالاخبار بأنه كما يقع الاستماع المزبور منهم يتعلق به العلم لأن العلم يستفاد هناك من أحد وكذا قوله تعالى :﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى﴾ لكن لا من حيث تعلقه بما به الاستماع بل بما به التناجي المدلول عليه بسياق النظم.
والمعنى نحن أعلم بالذي يستمعون ملتبسين به مما لا خير فيه من الأمور المذكورة وبالذي يتناجون به فيما بينهم ونجوى مرفوع على الخبر بتقدير المضاد أي : ذووا نجوى ﴿إِذْ يَقُولُ الظَّـالِمُونَ﴾ بدل من اذهم ووضع الظالمون موضع المضمر للدلالة على أن هذا القول منهم ظلم وتجاوز عن الحد.
وفيه دليل على أن ما يتناجون به
١٦٨
غير ما يستمعون به أي : يقول كل منهم للآخرين عند تناجيهم ﴿إِن تَتَّبِعُونَ﴾ أي : ما تتبعون إن وجد منكم الاتباع فرضاً ﴿إِلا رَجُلا مَّسْحُورًا﴾ أي : سحر فجنّ فمن ظلمهم وضعوا اسم المسحور موضع المبعوث.


الصفحة التالية
Icon