قال في "التأويلات النجمية" : أن الله خلق آدم فتجلى فيه فكانت السجدة في الحقيقة للحق تعالى وكان آدم بمثابة الكعبة قبلة للسجود ﴿فَسَجَدُوا﴾ له من غير تلعثم أداء لحقه عليه السلام وامتثالاً للأمر فدل ائتمارهم بأوامر الحق والانتهاء عن نواهيه على السعادة الأزلية ﴿إِلا إِبْلِيسَ﴾ فإنه أبى واستكبر فدل المخالفة والاستكبار والإباء على الشقاوة الأزلية إذ الأبد مرآة الأزل يظهر فيها صورة الحال سعادة وشقاوة.
قال في "بحر العلوم" : استثنى إبليس من الملائكة وهو جنى لأنه قد أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه تغليب الرجال على المرأة في قولك : خرجوا إلا فلانة ثم استثنى الواحد منهم استثناء متصلاً ﴿قَالَ﴾ اعتراضاً وعجباً وتكبراً وإنكاراً عندما وبخه تعالى بقوله :﴿قَالَ يا اإِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّـاجِدِينَ﴾ (الحجر : ٣٢) ﴿ءَأَسْجُدُ﴾ وأنا مخلوق من العنصر العالي وهو النار؟ قال الكاشفي :(أيا سجده كنم يعني نكنم) ولم يصح مني واستحال أن أسجد لأن الاستفهام المعني به الإنكار يكون بمعنى النفي ﴿لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا﴾ نصب على نزع الخافض أي : من طين مثل واختار موسى قومه أي : من قومه فاستحق اللعن والطرد والبعد.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿قَالَ﴾ إبليس بعدما لعن وطرد وأبعد إظهاراً للعداوة وإقداماً عل الحسد كما قال في "الإرشاد" وقال إبليس لكن لا عقيب كلامه
١٧٩
المحكي بل بعد الأنظار المترتب على الاستنظار المتفرع على الأمر بخروجه من بين الملأ الأعلى باللعن المؤبد وإنما لم يصرح اكتفاء بما ذكر في موضع آخر فإن توسيط قال بين كلامي اللعين للإيذان بعدم اتصال الثاني بالأول وعدم ابتنائه عليه بل على غيره ﴿قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَـاذَا الَّذِى كَرَّمْتَ﴾ الكاف حرف خطاب أي : ليس باسم حتى يكون في محل النصب على أنه مفعول رأيت بل هو حرف أكد به ضمير الفاعل المخاطب لتأكيد الإسناد فلا محل له من الإعراب وهذا مفعول أول والموصول صفته والثاني محذوف لدلالة الصفة عليه وأرأيت ههنا بمعنى أخبرني بأن يجعل العلم الذي هو سبب الاخبار مجازاً عن الأخبار وبأن يجعل الاستفهام مجازاً عن الأمر بجامع الطلب.
والمعنى أخبرني عن هذا الذي كرمته عليّ بأن أمرتني بالسجود له لم كرمته عليّ وفضلته بالخلافة والسجود وأنا خير منه لأنه خلق من طين وخلقت من نار، وفي "المثنوي" :
آنكه آدم را بدن ديد اورميد
وآنكه نور مؤتمن ديد او خميدتو زقر آن اى سر ظاهر مبين
ديو آدم را نه بيند جز كه طين ﴿لَـاـاِنْ أَخَّرْتَنِ﴾ حياً، يعني :(مرك مرا تأخير كنى نانكه موعودست) ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَـامَةِ﴾ يعني على صفة الإغواء والإضلال وهو كلام مبتدأ واللام موطئة وجوابه قوله :﴿لاحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ﴾ أي : لاستولين على أولاده ونسله استيلاء قوياً بالإغواء كما قال :﴿فَبِعِزَّتِكَ لاغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (ص : ٨٢) يقال : احتنكه استولى عليه كما في "القاموس".
قال في "الإرشاد" من قولهم حنكت الدابة واحتنكتها إذا جعلت في حنكها الأسفل حبلاً تقودها به أو لاستأصلنهم بالإغواء.
يعني :(هر آينه ازبيخ بركنم فرزندان اورا باغوا ونان كنم كه بعذاب تو مستأصل شوند) من قولهم احتنك الجراد الأرض إذا جرد ما عليها أكلاً.
قال في "الأسئلة المقحمة" : علم إبليس أن فيهم شهوات مركبة فهي سبب ميلهم عن الحق إلى الباطل قياساً على أبيهم حين مال إلى أكل الشجرة بشهوته انتهى وقيل غير ذلك ﴿إِلا قَلِيلا﴾ منهم وهم المخلصون الذين عصمهم الله تعالى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٧٩
﴿قَالَ﴾ الله تعالى :﴿اذْهَبْ﴾ على طريقتك السوء بالإغواء والإضلال.
وفي "بحر العلوم" ليس من الذهاب الذي هو نقيض المجيىء بل معناه امض لما قصدته أو طرد له وتخلية بينه وبين ما سولت له نفسه أو هو على وجه الإهانة والتهديد تقول لمن لا يقبل منك اذهب وكن على ما اخترت لنفسك.
قال الكاشفي :(امراهانت است وابعاد يعني اورا براند ازدركاه قرب وكفت درى مهم خودبرو) ﴿فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ﴾ على الضلالة.
قال الكاشفي :(هركه متابعت كندترا وفرمان توبرد) ﴿فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ﴾ أي : جزاؤك وجزاؤهم فغلب المخاطب رعاية لحق المتبوعية ﴿جَزَآءً مَّوْفُورًا﴾ من وفر الشيء كمل أي : تجزون جزاء مكملاً فنصبه على المصدر بإضمار فعله.
قال الكاشفي :(جزايى تمام يعني عذابي بردوام).
﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾ أي : استخف وحرك ومنه استفزه الغضب استخفه والاستفزاز (سبك كردن).
وفي "بحر العلوم" : واستزل وحرك.
يعني :(ازجاى بجنبان وبلغزان) ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم﴾ من قدرت أن تستفزه من ذريته.
وقال الكاشفي (هركه را توانى لغزانيد ازايشان) ﴿بِصَوْتِكَ﴾ بوسوستك ودعائك إلى الشر والمعصية
١٨٠