قال في "التأويلات النجمية" : فيه إشارة إلى أن عباد الله هم الأحرار عن رق الكونين وتعلقات الكونين فلا يستعبدهم الشيطان ولا يقدر على أن تعلق بهم فيضلهم عن طريق الحق ويغويهم بما سواه عنه ﴿وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا﴾ لهم في ترتيب أسباب سعادتهم وتفويت أسباب شقاوتهم والحراسة من الشيطان والهداية إلى الرحمن.
يقول الفقير : لا يلزم من نفي التسلط أن لا يقصدهم الشيطان أصلاً فإن ذلك يرده قوله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائفٌ مِّنَ الشَّيْطَـانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ﴾ (الأعراف : ٢٠١) فإن كلمة إذا تدل على التحقيق والوقوع ولكنهم محفوظون من الاتباع لكونهم مؤيدين من عند الله تعالى.
ـ حكي ـ أنه جاء يهودي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا محمد نحن نعبد بحضور القلب بلا وسواس الشيطان ونسمع من أصحابك أنهم يصلون بالوساوس فقال عليه السلام لأبي بكر رضي الله عنه :"أجبه" فقال : يا يهودي بيتان بيت مملوء بالذهب والفضة والدر والياقوت والأقمشة النفيسة وبيت خراب خال ليس فيه شيء من المذكورات أيقصد اللص إلى البيت المعمور المملوء من الأقمشة النفيسة أم يقصد إلى البيت الخراب فقال اليهودي يقصد إلى البيت المعمور المملوء بذلك فقال أبو بكر رضي الله تعالى عنه : قلوبنا مملوء بالتوحيد والمعرفة والإيمان واليقين والتقوى والإحسان وغيرها من الفضائل وقلوبكم خالية عن هذه فلا يقصد الخناس إليها فأسلم اليهودي فظهر أن الشيطان قاصد ولكنه غير واصل إلى مراده فإن الله يحفظ أولياءه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٢
﴿رَبُّكُمْ﴾ (رور دكار شما) وهو مبتدأ خبره قوله ﴿الَّذِى﴾ القادر الحكيم الذي ﴿يُزْجِى﴾ الإزجاء (راندن) يقال : زجاه وأزجاه ساقه أي : يسوق ويجري بقدرته الكاملة ﴿لَكُمْ﴾ لمنافعكم ﴿الْفُلْكِ﴾ أي : السفن ﴿فِى الْبَحْرِ﴾ (در دريا).
قال في "القاموس" البحر الماء الكثير ﴿لِّتَبْتَغُوا﴾ لتطلبوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من رزق هو فضل من قبله ﴿إِنَّه كَانَ بِكُمْ﴾ أزلاً وأبداً ﴿رَّحِيمًا﴾
١٨٢
حيث هيأ لكم ما تحتاجون إليه وسهل عليكم ما يعسر من أسبابه فالمراد الرحمة الدنيوية والنعمة العاجلة المنقسمة إلى الجليلة والحقيرة.
﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ﴾ (وون برسد شمارا) ﴿الضُّرُّ فِى الْبَحْرِ﴾ خوف الغرق فيه ﴿ضَلَّ مَن تَدْعُونَ﴾ أي : ذهب عن خواطركم كل من تدعون في حوادثكم وتستغيثون ﴿إِلَّا إِيَّاهُ﴾ تعالى وحده من غير أن يخطر ببالكم أحد منهم وتدعوه لكشفه استقلالاً أو اشتراكاً ويجوز أن يكون الاستثناء منقطعاً أي : ضل كل من تدعونه وتعبدونه من الآلهة كالمسيح والملائكة وغيرهم من عونكم وغوثكم ولكن الله هو الذي ترجونه لصرف النوازل عنكم ﴿فَلَمَّآ﴾ (س آن هنكام كه) من الغرق وأوصلكم ﴿إِلَى الْبَرِّ﴾ (بسوى بيابان) ﴿أَعْرَضْتُمْ﴾ عن التوحيد وعدتم إلى عبادة الأوثان ونسيتم النعمة وكفرتم بها ﴿وَكَانَ الانسَـانُ كَفُورًا﴾ بليغ الكفران ولم يقل وكنتم كفوراً ليسجل على أن هذا الجنس موسوم بكفران النعمة.
﴿أَفَأَمِنتُمْ﴾ الهمزة للإنكار والفاء للعطف على محذوف تقديره أنجوتم فأمنتم من ﴿أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾ الذي هو مأمنكم كقارون وبكم في موضع الحال وجانب البر مفعول به أي : يقلبه الله وأنتم عليه ويجوز أن تكون الباء للسببية أي : يلقبه بسبب كونكم فيه.
قال سعدي المفتي أي : يقلب جانب البر الذي أنتم فيه فيحصل بخسفه إهلاككم وإلا فلا يلزم من خسف جانب البر بسببهم إهلاكهم.
وقال الكاشفي :(آيا ايمن شديدكه ازدريا بصحرا آمديد يعني ايمن مباشيد از آنكه فرو بردشمارا بكرانه از زمين يعني آنكه قادراست كه شمارا درآب فروبرد توانست برآنكه در خاك نهان كند).
قال في "القاموس" : خسف المكان يخسف خسوفاً ذهب في الأرض وخسف الله بفلان الأرض غيبه فيها لازم ومتعد.
وفي "التهذيب" الخسف (بزين فروبردن) قال الله تعالى :﴿فَخَسَفْنَا بِه وَبِدَارِهِ الارْضَ﴾ (القصص : ٨١) ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ﴾ من فوقكم ﴿حَاصِبًا﴾ ريحاً ترمي الحصباء وهي الحصى الصغار يرجمكم بها فيكون أشد عليكم من الغرق في البحر وقيل : أي يمطر عليكم حصباء كما أرسلها على قوم لوط وأصحاب الفيل ﴿ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلا﴾ يحفظكم من ذلك ويصرفه عنكم فإنه لا رادّ لأمره الغالب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٢