على الأفضلية بالمعنى المتنازع فيه فإن المراد ههنا بيان التفضيل في أمر مشترك بين جميع أفراد البشر صالحها وطالحها ولا يمكن أن يكون ذلك هو الفضل في عظم الدرجة وزيادة القربة عند الله تعالى كما في "الإرشاد".
وقال في "بحر العلوم" : فيه دلالة على أن بني آدم فضلوا على كثير وفضل عليهم قليل وهو أبوهم آدم وأمهم حواء عليهما السلام لما فيهما من فضل الأصالة على من تفرع منهما من سائر الناس لا الملائكة المقربون كما زعم الكلبي وأبو بكر الباقلاني وحثالة المعتزلة وإلا يلزم التعارض بين الآيات وذلك أن الله أمر الملائكة كلهم بالسجود لآدم على وجه التعظيم والتكريم ومقتضى الحكمة الأمر للأدنى بالسجود للأعلى دون العكس وأيضاً قال :﴿وَعَلَّمَ ءَادَمَ الاسْمَآءَ كُلَّهَا﴾ (البقرة : ٣١) فيفهم منه كل أحد من أهل اللسان قصده تعالى إلى تفضيل آدم على الملائكة وبيان زيادة علمه واستحقاقه التعظيم والتكريم وقال :﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحًا وَءَالَ إِبْرَاهِيمَ وَءَالَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَـالَمِينَ﴾ (آل عمران : ٣٣) والملائكة من جملة العالم فمحال أن تدل الآية التي نحن بصددها على ما زعموا من تفضيل الملك على البشر كلهم وأيضاً مما يدل على بطلان ما زعموا قول النبي صلى الله عليه وسلّم "إن الله فضل المرسلين على الملائكة المقربين لما بلغت السماء السابعة لقيني ملك من نور على سرير فسلمت عليه فرد على السلام فأوحى الله إليه سلم عليك صفيي ونبيي فلم تقم إليه وعزتي وجلالي تقومن فلا تقعدن إلى يوم القيامة" انتهى.
وفي "الأسئلة المقحمة" : المشهور من مذهب أهل الحق أن الأنبياء أفضل من الملائكة انتهى.
قال الكاشفي :(علمارا در تفضيل بشر مباحث دور ودرازاست آنكه جمهور أِل سنت برآنند كه بني آدم فاضل ترند از رسل ملائكة ورسل ملائكة افضلند از اولياى بني آدم وأولياي بني آدم شريفترند از اولياي ملائكة وصلحاي أهل ايمانرا أفضل است برعوام ملائكة وعوام ملائكة بهترند از فساق مؤمنات).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٤
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَفَضَّلْنَـاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا﴾ يعني على الملائكة لأنهم الخلق الكثير ممن خلق الله تعالى وفضل الإنسان الكامل على الملك بأنه خلق في أحسن تقويم وهو حسن استعداده في قبول فيض نور الله بلا واسطة وقد تفرد به الإنسان عن سائر المخلوقات كما قال تعالى :﴿إِنَّا عَرَضْنَا الامَانَةَ﴾ (الأحزاب : ٧٢) إلى قوله :﴿وَحَمَلَهَا الانسَـانُ﴾ والأمانة هي نور الله كما صرح به في قوله :﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ (النور :) إلى أن قال :﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍا يَهْدِى اللَّهُ لِنُورِه مَن يَشَآءُ﴾ فافهم جداً واغتنم فإن هذا البيان أعز من الكبريت الأحمر وأغرب من عنقاء مغرب انتهى.
قال الكاشفي :(وعلى الجملة اين آيت دليل فضيلت وجامعيت انسانست كه از همه مخلوقات مرآت صافي هت انعكاسي صفات إلهي همه اوست وبس نانه از مضمون اين ابيات حقائق سمات فهم توان فرمود) :
آمد آيينه جمله كون ولي
همو آيينه نكرده جلى
به نمودند درو بوجه كمال
صورت ذو الجلال والإفضال
زانكه بوداين تفرق عددى
مانع از سر جامع واحدى
كشت آدم جلاى اين مرآت
شدعيان ذات او بجمله صفات
١٨٦
مظهري كشت كلي وجامع
سر ذات از صفات از لامع
شد تفاصيل كون را مجمل
بر مثال تعين اول
بوى اين دائره مكمل شد
آخر اين نقطع عين اول شد
﴿يَوْمَ نَدْعُوا﴾ نصب بإضمار اذكر على أنه مفعول به ﴿كُلَّ أُنَاس﴾ (هر كروهى را از بني آدم) والاناس جمع الناس كما في "القاموس" ﴿بِإِمَـامِهِمْ﴾ أي : بمن ائتموا به من نبي فيقال يا أمة موسى ويا أمة عيسى ونحو ذلك أو مقدم في الدين فيقال : يا حنفي ويا شافعي ونحوهما أو كتاب فيقال : يا أهل القرآن ويا أهل الإنجيل وغيرهما أو دين فيقال يا مسلم ويا يهودي ويا نصراني ويا مجوسي وغير ذلك.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٤