وفي "التأويلات النجمية" : يشير إلى ما يتبعه كل قوم وهو إمامهم.
فقوم يتبعون الدنيا وزينتها وشهواتها فيدعون يا أهل الدنيا.
وقوم يتبعون الآخرة نعيمها ودرجاتها فيدعون يا أهل الآخرة.
وقوم يتبعون الرسول صلى الله عليه وسلّم محبةوطلباً لقربته ومعرفته فيدعون يا أهل الله.
وقيل : الإمام جمع أم كخف وخفاف والحكمة في دعوتهم وأمهاتهم إجلال عيسى عليه السلام وتشريف الحسنين رضي الله عنهما إذ في نسبتهما إلى أمهما إظهار انتسابهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم نسباً بخلاف نسبتهما إلى أبيهما والستر على أولاد الزنى وينصره ما روي عن عائشة رضي الله عنها وابن عباس رضي الله عنهما أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :"إن الله يدعو الناس يوم القيامة بأمهاتهم ستراً منه على عباده" كما في "بحر العلوم" ويؤيده أيضاً حديث التلقين حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم "إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان ابن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيب ثم يقول يا فلان ابن فلانة فإنه يستوي قاعداً ثم يقول : يا فلان ابن فلانة فإنه يقول أرشدك الله رحمك الله ولكن لا تشعرون فليقل اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله وأنك رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد صلى الله عليه وسلّم نبياً وبالقرآن إماماً وبالكعبة قبلة فإن منكراً ونكيراً يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه يقول : انطلق لا تقعد عند من لقن حجته فيكون حجيجه دونهما" فقال رجل : يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه قال :"فلينسبه إلى حواء" ذكره الإمام السخاوي في "المقاصد الحسنة" وصححه بإسانيده وكذا الإمام القرطبي في "تذكرته" وفهم منه شيآن الأول استحباب القيام وقت التلقين والثاني أن المرء يدعى باسمه واسم أمه لا باسم أبيه ولكن جاء في أحاديث "المقاصد" "والمصابيح" أنه عليه السلام قال :"إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم" ولعله لا يخالف ما سبق فإنه ورد ترغيباً في تحسين الأسماء وتغيير القبيح منها إذ كانوا يسمون بالأسماء القبيحة على عادة الجاهلية مثل المضطجع وأصرم وعاصية ونحوها وكان عليه السلام يغير القبيح إلى الحسن فغير أصرم وهو من الصرم بمعنى القطع إلى زرعة وهو بالضم والسكون قطعة من الزرع كأنه قال : لست مقطوعاً بل أنت منبت متصل بالأصل وغير المضطجع إلى المنبعث وعاصية إلى جميلة ﴿فَمَنْ﴾ (هر كه را) ﴿أُوتِيَ﴾ (داده شود) يومئذٍ من أولئك المدعوين ﴿كِتَـابَهُ﴾ صحيفة أعماله ﴿بِيَمِينِهِ﴾ وهم السعداء وفي إيتاء الكتاب من جانب اليمين تشريف لصاحبه وتبشير فأولئك الجمع باعتبار معنى من
١٨٧
﴿يَقْرَءُونَ كِتَـابَهُمْ﴾ قراءة ظاهرة مسرورين ينتفعون بما فيه من الحسنات ولم يذكر الأشقياء وإن كانوا يقرأون كتبهم أيضاً لأنهم إذا قرأوا ما فيها لم يفصحوا به خوفاً وحياء وليس لهم شيء من الحسنات ينتفعون به ﴿وَلا يُظْلَمُونَ﴾ أي : لا ينقصون من أجور أعمالهم المرتسمة في كتبهم بل يؤتونها مضاعفة ﴿فَتِيلا﴾ أي : قدر فتيل وهو ما يفتل بين إصبعين من الوسخ أو القشرة التي في شق النواة أو أدنى شيء فإن الفتيل مثل في القلة والحقارة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٤
﴿وَمِنْ﴾ (وهركه) أي : من المدعوين المذكورين ﴿كَانَ فِى هَـاذِهِ﴾ الدنيا ﴿أَعْمَى﴾ أعمى القلب لا يهتدي إلى رشده.
يعني :(دلش راه صواب نه بيند) ﴿فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى﴾ لا يرى طريق النجاة لأن العمى الأول موجب للثاني فالكافر لا يهتدي إلى طريق الجنة والعاصي إلى ثواب المطيع والقاصر إلى مقامات الكاملين ﴿وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾ من الأعمى في الدنيا لزوال الاستعداد وتعطل الأسباب والآلات وفقدان المهلة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٨


الصفحة التالية
Icon