قال في "التأويلات النجمية" :: ﴿فَمَنْ أُوتِىَ كِتَـابَه بِيَمِينِهِ﴾ فهو أهل السعادة من أصحاب اليمين وفيه إشارة إلى أن السابقين الذين هم أهل الله تعالى لا يأتون كتابهم كما لا يحاسبون حسابهم ﴿فأولئك يَقْرَءُونَ كِتَـابَهُمْ﴾ لأنهم أصحاب البصيرة والقراءة والدراية ﴿وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلا﴾ في جزاء أعمالهم الصالحة وفيه إشارة إلى أن أهل الشقاوة الذين هم أصحاب الشمال لا يقرأون كتابهم لأنهم أصحاب العمي والجهالة ﴿وَمَن كَانَ فِى هَـاذِه أَعْمَى﴾ أي : في هذه القراءة والدراية بالبصيرة أعمى في الدنيا لقوله :﴿فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الابْصَـارُ﴾ (الحج : ٤٦) الآية ﴿فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى﴾ لأنه يوم تبلى السرائر تجعل الوجوه من السرائر فمن كان في سريرته أعمى ههنا يكون ثمة في صورته أعمى للمبالغة لأن عمى السريرة ههنا كان قابلاً للتدارك وقد خرج ثمة الأمر من التدارك فيكون أعمى عن رؤية الحق.
﴿وَأَضَلُّ سَبِيلا﴾ في الوصول إليه لفساد الاستعداد وإعواز التدارك انتهى.
يقول الفقير : إن قلت هل يحصل الترقي والتيقظ لبعض الأفراد بعد الموت الصوري؟ قلت : إن السالك الصادق في طلبه إذا سافر من مقام طبيعته ونفسه فمات في الطريق أي : بالموت الاضطراري قبل أن يصل إلى مراده بالموت الاختياري فله نصيب من أجر الواصلين وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿وَمَن يَخْرُجْ مِنا بَيْتِه مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِه ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُه عَلَى اللَّهِ﴾ (النساء : ١٠٠) كما قال بعض الكبار : من مات قبل الكمال فمراده يجيىء إليه كما أن من مات في طريق الكعبة يكتب له أجر حجين انتهى.
أشار إلى أن الله تعالى قادر على أن يكمله في عالم البرزخ بواسطة روح من الأرواح أو بالذات فيصير أمره بعد النقصان الموهوم إلى الكمال المعلوم وقد ثبت في الشرع أن الله تعالى يوكل ملكاً لبعض عباده في القبر فيقرئه القرآن ويعلمه أي : إن كان قد مات أثناء التعلم.
وأما غير السالك فلا يجد الترقي بعد الموت أي : بالنسبة إلى معرفة الحق إذ من المتفق شرعاً وعقلاً وكشفاً أن كل كمال لم يحصل للإنسان في هذه النشأة وهذه الدار فإنه لا يحصل له بعد الموت في الدار الآخرة كما في "الفكوك" فما يدل على عدم الترقي بعد الموت من قوله تعالى :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿وَمَن كَانَ فِى هَـاذِه أَعْمَى فَهُوَ فِى الاخِرَةِ أَعْمَى﴾ إنما هو بالنسبة إلى معرفة الحق لا لمن لا معرفة له أصلاً فإنه إذا انكشف الغطاء ارتفع العمى بالنسبة إلى دار الآخرة ونعيمها وجحيمها والأحوال التي فيها
١٨٨
وأما قوله عليه السلام :"إذا مات ابن آدم انقطع عمله" فهو يدل على أن الأشياء التي يتوقف حصولها على الأعمال لا تحصل وما لا يتوقف عليها بل يحصل بفضل الله ورحمته فقد يحصل وذلك من مراتب الترقي كما في شرح "الفصوص" للمولى الجامي قدس سره فقوله تعالى :﴿لَّيْسَ لِلانسَـانِ إِلا مَا سَعَى﴾ (النجم : ٣٩) ليس معناه أن ما يحصل للإنسان مقصور على سعيه بل معناه ليس للإنسان إلا ما يمكن أن يكون بسعيه فما يمكن أن يكون بسعيه فهو بسعيه والباقي فضل من الله تعالى كالسعي في مرتبة الملك.
وأما الملكوت فلا يمكن إلا بمحض فضل الله فلا مدخل فيه للسعي كما في "الواقعات المحمودية".
فعلى العاقل أن يسعى في تحصيل البصيرة قبل أن يخرج من الدنيا ويكون من الذين يشاهدون الله تعالى في كل مرآة من المرايا، وفي "المثنوي" :
اين جهان ر آفتاب ونور ماه
او بهشته سرفرو برده باهكه اكر حقست كو آن روشنى
سربر آر ازاه بنكر اي دنى
جمله عالم شرق وغرب آن نور يافت
تاتودر اهى نخواهد برتوتافت
ه رها كن رو بايوان وكروم
كم ستيز ايتجا بدان كاللج شوم
اي بسابيدار شم وخفته دل
خوده بيند شم اهل آب وكلوانكه دل بيدار ودارد شم سر
كربخسبد بر كشايد صد بصر
كرتو اهل دل نه بيدار باش
طالب دل باش ودريكار باش
وردلت بيدارشدمى خسب خوش
نيست غائب ناظرت ازهفت وشش
كفت يغمبركه خسيد شم من
ليك كى خسبد دلم اندر وسن
شاه بيدارست حارس خفته كير
جان فداى خفتكان دل بصير