﴿وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ﴾ ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوهاً والأسلم ما في "تفسير الكواشي" من أن المشركين طلبوا من النبي عليه السلام أن يجعل آية رحمة مكان آية عذاب وبالعكس ويمس آلهتهم عنداستلام الحجر ويطرد الضعفاء والمساكين عنه ونحو ذلك وأطمعوه في إسلامهم قالوا : فمال إلى بعض ذلك فنزل وإن هي المخففة من المشددة وضمير الشأن الذي هو اسمها محذوف واللام هي الفارقة بينها وبين النافية أي : أن الشأن قاربوا أن يوقعوك في الفتنة بالاستزلال ويخدعوك.
قال الكاشفي :(بكردانند ترا) ﴿عَنِ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ من الأمر والنهي والوعد والوعيد ﴿لِتَفْتَرِىَ عَلَيْنَا﴾ أي : لتختلق علينا ﴿غَيْرُه﴾ أي : غير الذي أوحينا إليك كما تقدم ﴿وَإِذَآ﴾ أي : ولو اتبعت أهواهم وفعلت ما طلبوا منك ﴿اتَّخَذُوكَ خَلِيلا﴾ أي : صديقاً وولياً وكنت لهم ولياً وخرجت من ولايتي.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَـاكَ﴾ أي : ولولا تثبيتنا إياك على الحق وعصمتنا ﴿لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْـاًا قَلِيلا﴾ من الركون الذي هو أدنى ميل فنصبه على المصدرية أي : لقاربت أن تميل إلى اتباع مرادهم شيئاً يسيراً من الميل اليسير لقوة خدعهم وشدة احتيالهم لكن أدركتك العصمة فمنعتك من أن تقرب من أدنى مراتب الركون إليهم فضلاً عن نفس الركون وهو صريح في أنه عليه السلام ما هم بإجابتهم مع قوة الداعي إليها ودليل على
١٨٩
أن العصمة بتوفيق الله وعنايته.
قال بعض الكبار : إنما سماه قليلاً لأن روحانية النبي عليه السلام كانت في أصل الخلقة غالبة على بشريته إذ لم يكن حينئذٍ لروحه شيء يحجب عن الله فالمعنى لولا التثبيت وقوة النبوة ونور الهداية وأثر نظر العناية لقد كدت تركن إلى أهل الأهواء هوى النفسانية لمنافع الإنسانية قدراً يسيراً لغلبة نور الروحانية وخمود نور البشرية.
﴿إِذَآ﴾ لو قاربت أن تركن إليهم أدنى ركنة ﴿لاذَقْنَـاكَ ضِعْفَ الْحَيَواةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ﴾ أي : عذاب الدنيا وعذاب الآخرة ضعف ما يعذب به في الدارين بمثل هذا الفعل غيرك لأن خطأ الخطير أخطر وكان أصل الكلام عذاباً ضعفاً في الحياة وعذاباً ضعفاً في الممات بمعنى مضاعفاً ثم حذف الموصوف وأقيمت مقامه الصفة وهو الضعف ثم أضيفت إضافة موصوفها فقيل : ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات.
﴿ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾ يدفع عنك العذاب.
(اما ثعلبي آورده كه بعد از هزول اين آيت بحضرت فرمود، اللهم لا تكلني إلى نفسي ولو طرفة عين).
الهي برره خوددار مارا
دمى بانفس ما مكذار مارا
﴿وَإِن كَادُوا﴾ أي : وإن الشأن قارب أهل مكة ﴿لَيَسْتَفِزُّونَكَ﴾ يقال : استفزه أزعجه أي : ليزعجونك بعداوتهم ومكرهم وينزعونك بسرعة وفسر بعضهم الاستفزاز بالاستزلال بالفارسية (بلغزانيد) ﴿مِّنَ الأرْضِ﴾ أي : الأرض التي أنت فيها وهي أرض مكة ﴿لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا﴾.
إن قلت أليس أخرجوه بشهادة قوله تعالى :﴿وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِىَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ الَّتِى أَخْرَجَتْكَ﴾ (محمد : ١٣) وقوله عليه السلام حين خرج من مكة متوجهاً إلى المدينة : والله إني لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت.
قلت : لم يتحقق الإخراج بعد نزول هذه الآية ثم وقع بعده حيث هاجر عليه السلام بإذن الله تعالى وكانوا قد ضيقوه قبل الهجرة ليخرج كما قال الكاشفي :(أهل مكة در اخراج آنحضرت عليه الصلاة والسلام مشاورت كردند ورأى ايشان بران قرار كرفت كه دردشمني بحد افراط نمايندكه آنحضرت بضرورت بيرون بايد رفت اين آيت نازل شد) ﴿وَإِذَآ﴾ أي : ولئن أخرجت ﴿لا يَلْبَثُونَ خِلَـافَكَ﴾ أي : بعد إخراجك ﴿إِلا قَلِيلا﴾ أي : إلا زماناً قليلاً وقد كان كذلك فإنهم أهلكوا ببدر بعد هجرته عليه السلام.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٨٨
﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا﴾ السنة العادة ونصبها على المصدرية أي : سن الله سنة وهي أن يهلك كل أمة أخرجت رسولهم من بين أظهرهم فالسنةتعالى وإضافتها إلى الرسل لأنها سنت لأجلهم على ما ينطق به قوله تعالى :﴿وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا﴾ أي : لعادتنا بإهلاك مخرجي الرسل من بينهم ﴿تَحْوِيلا﴾ أي : تغييراً وفيه إشارة إلى أن من سنة الله تعالى على قانون الحكمة القديمة البالغة في تربية الأنبياء والمرسلين أن يجعل لهم أعداء يبتليهم بهم في إخلاص إبريز جواهرهم الروحانية الربانية عن غش أوصافهم النفسانية الحيوانية وهذا الابتلاء لا يتبدل لأنه مبني على الحكمة والمصلحة والإرادة القديمة وما هو مبني عليها لا يتغير.
قال بعض الكبار : أهرب من خير الناس أكثر مما تهرب من شرهم فإن خيرهم يصيبك في قلبك وشرهم يصيبك في بدنك ولأن
١٩٠