والآية رد على المعتزلة المنكرين للشفاعة زعماً أنها تبليغ غير المستحق للثواب إلى درجة المستحقين للثواب وذلك ظلم ولم يعلموا أن المستحق للثواب والعقاب من جعله الله لذلك مستحقاً بفضله وعدله ولا واجب لأحد على الله بل هو يتصرف في عباده على حكم مراده فإن قالت المعتزلة : رويتم عن النبي عليه السلام :"شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" فعلى هذا المستحق للشفاعة إنما هو من قتل النفس وزنى وشرب الخمر فإن أصحاب الكبائر هؤلاء وهذا إغراء ظاهر لخلق الله على مخالفة أوامره.
فالجواب أنه ليس فيه إغراء وإنما فيه أن صاحب الكبائر مع قربه من عذاب الله واستحقاقه عقوبته تستدركه شفاعتي وتنجيه عنايتي وينقذه أرحم الراحمين بحرمتي ومكانتي ففيه مدح الرسول صلى الله عليه وسلّم نفسه بماله عند الله تعالى من الدرجة الرفيعة والوسيلة فإذا كان حكم صاحب الكبائر هذا فكيف ظنك بصاحب الصغيرة ودعواهم بأن يكون ظلماً قلت : أليس خلقه الله وخلق له القدرة على ارتكاب الكبائر ومكنه منها ولم يكن ذلك إغراء منه على ارتكاب الكبائر كذلك في حق الرسول صلى الله عليه وسلّم كذا في "الأسئلة المقحمة".
وفي "المثنوي" :
كفت يغمبركه روز رستخيز
كى كذارم مجرمانرا اشك ريز
من شفيع عاصيان باشم بجان
تارهانم شان زاشكنجه كران
عاصيان وأهل كبائر رابجهد
وارهانم ازعتاب ونقض عهد
صالحان امتم خود فارغند
از شفاعتهاي من روز كزند
بلكه ايشانرا شفاعتها بود
كفت شان ون حكم نافذمي رود
ثم الآية ترغيب لصلاة التهجد وهي ثمان ركعات قالت عائشة رضي الله عنها : ما كان يزيد رسول الله صلى الله عليه وسلّم في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً" وقال الشيخ عبد الرحمن البسطامي قدس سره في "ترويح القلوب" : إذا دخل الثلث الأخير من الليل يقوم ويتوضأ ويصلي التهجد ثنتي عشرة ركعة يقرأ فيها بما شاء وأراد من حزبه وكان عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرهن انتهى وفي الحديث :"أشراف أمتي حملة القرآن وأصحاب الليل".
دلابر خيز وطاعت كن كه طاعت به زهركارست
سعادت آنكسى داردكه وقت صبح بيدارست
خروسان در سحر كوينده قم يا أيها الغافل
تو ازمستى نمى دانى كسى داندكه هشيارست
١٩٢
وعن ابن عباس رضي الله عنهما :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٠
إذا كثر الطعام فحذروني
فإن القلب يفسده الطعام
إذا كثر المنام فنبهوني
فإن العمر ينقصه المنام
إذا كثر الكلام فسكتوني
فإن الدين يهدمه الكلام
إذا كثر المشيب فحرّكوني
فإن الشيب يتبعه الحمام
وفي الخبر :"إذا نام العبد عقد الشيطان على رأسه ثلاث عقد فإن قعد وذكر الله انحلت عقدة فإن توضأ انحلت عقدة أخرى وإن صلى ركعتين انحلت العقد كلها فأصبح نشيطاً طيب النفس وإلا أصبح كسلان خبيث النفس" وليل القائم يتنور بنور عبادته كوجهه.
ـ يحكى ـ عن شاب عابد أنه قال : نمت عن وردي ليلة فرأيت كأنّ محرابي قد انشق وكأني بجوار قد خرجن من المحراب لم أر أحسن أوجهاً منهن وإذا واحدة فيهن شوهاء أي : قبيحة لم أر أقبح منها منظراً فقلت : لمن أنتن ولمن هذه؟ فقلن : نحن لياليك التي مضين وهذه ليلة نومك فلو مت في ليلتك هذه لكانت هذه حظك.
وكان بعض الصالحين يقوم الليل كله ويصلي صلاة الصبح بوضوء العشاء كأبي حنيفة رحمه الله ونحوه.
قال بعضهم : لأن أرى في بيتي شيطاناً أحب إلي من أن أرى وسادة فإنها تدعو إلى النوم.
وقال بعض العارفين إن الله يطلع على قلوب المستيقظين بالأسحار فيملأها نوراً فترد الفوائد على قلوبهم فتستنير ثم تنتشر من قلوبهم إلى قلوب الغافلين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ١٩٠


الصفحة التالية
Icon