ومنها : أنه ليس في استعداد الإنسان ولا في مخلوق غيره أن يأتي بكلام جامع مثل كلام الله تعالى له عبارة في غاية الجزالة والفصاحة وإشارة في غاية الدقة والحذاقة ولطائف في غاية اللطف والنظافة وحقائق في غاية الحقية والنزاهة.
قال جعفر بن محمد الصادق ـ رضي الله عنهما ـ عبارة القرآن للعوام والإشارة للخواص واللطائف للأولياء والحقائق للأنبياء، وفي "المثنوي" :
خوش بيان كرد آن حكيم غزنوى
بهر محجوبان مثال معنوي
٢٠١
كه زقر آن كرنه بيند غير قال
اين عجب نبود ز اصحاب ضلال
كز شعاع آفتاب ر زنور
غير كرمى مى نيابد شم كور
تو زقرآن اي سر ظاهر مبين
ديو آدم را نبيند جزكه طينظاهر قرآن و شخص آدميست
كه نقوشش ظاهر وجانش خفيست
اعلم أن القرآن غير مخلوق لأنه صفة الله تعالى وصفاته بأسرها أزلية غير مخلوقة.
قال أبو حنيفة رحمه الله : فمن قال إنها مخلوقة أو وقف فيها أو شك فيها فهو كافر بالله وما ذكر من الوجوه الدالة على حدوث اللفظ فهو غير المتنازع فيه عند الأشعرية والمنصورية أيضاً كمن قال بأن كلامه تعالى حرف وصوت يقومان بذاته ومع ذلك قديم وأعجب من هذا قولهم الجلد والعلاقة قديمان أيضاً.
وفي "الفتوحات المكية" : قدس الله سر مصدرها أن المفهوم من كون القرآن حروفاً أمران الأمر الواحد يسمى قولاً وكلاماً ولفظاً والأمر الآخر يسمى كتابة ورقماً وخطا والقرآن يخط فله حروف الرقم وينطق به فله حروف اللفظ فهل يرجع كونه حروفاً منطوقاً بها لكلام الله الذي هو صفته أو للمترجم عنه؟.
فاعلم أنه قد أخبرنا نبيه صلى الله عليه وسلّم أنه سبحانه يتجلى في يوم القيامة بصور مختلفة فيعرف وينكر فمن كان حقيقته تقبل التجلي لا يبعد أن يكون الكلام بالحروف المتلفظ بها المسماة كلاماً لبعض تلك الصور كما يليق بجلاله وكما تقول تجلى في صورة كما يليق بجلاله كذلك تقول تكلم بحرف وصوت كما يليق بجلاله وقال رضي الله عنه بعد كلام طويل فإذا تحققت ما قررناه يثبت أن كلام الله هو هذا المتلو المسموع المتلفظ به المسمى قرآناً توراة وزبوراً وإنجيلاً انتهى.
قال بعضهم : كلام الله عين المتكلم في رتبة ومعنى قائم به في أخرى كالكلام النفسي وأنه مركب من الحروف ومتعين بها في عالمي المثال والحس يحس بهما.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٠١
ومنها : أن أكثر الناس لا يعرفون قدر النعم الإلهية ولا يتنبهون للتنبيهات الربانية فواحد من الألف للجنة وبعث الباقي إلى النار وهم الجهلاء الذين أعرضوا عن الحق وتعلمه، وفي "المثنوي" :
ند كفتن باجهول خوابناك
تخم افكندن بوددر شوره خاكاك حمق وجهل نذيرد رفو
تخم حكمت كم دهش اي ندكو
﴿وَقَالُوا﴾ قال الإمام الواحدي في "أسباب النزول" : روي عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عتبة وشيبة وأبا سفيان والنضر بن الحارث وأبا البختري والوليد بن المغيرة وأبا جهل وعبد الله ابن أبي أمية وأمية بن خلف ورؤساء قريش اجتمعوا عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض : ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه فبعثوا إليه أن أشراف قومك اجتمعوا لك ليكلموك فجاءهم سريعاً وهو يظن أنه بدا لهم في أمره بداء وكان عليهم حريصاً يحب رشدهم ويعز عليه عتبهم حتى جلس إليهم فقالوا : يا محمد إنا والله لا نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة وما بقي أمر قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك فإن كنت إنما جئت بهذا تطلب به مالاً جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثرنا مالاً وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكاً ملكناك علينا وإن كان هذا الرئيّ الذي
٢٠٢


الصفحة التالية
Icon