ـ روي ـ أن اليهود قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة فنزلت.
والدعاء بمعنى التسمية لا بمعنى النداء والمراد بالله والرحمن الاسم لا المسمى واو للتخيير والمراد أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود.
والمعنى سموا بهذا الاسم أو بهذا واذكروا إما هذا وإما هذا ﴿أَيًّا مَّا تَدْعُوا﴾ (هركدام را بخوانيد وبدان حق را خوانده باشيد) والتنوين عوض عن المضاف إليه وما صلة لتأكيد ما في أي من الإبهام أي أي هذين الاسمين سميتم وذكرتم ﴿فَلَهُ﴾ أي : للمسمى لأن التسمية لمسمى هذين الاسمين وهو ذاته تعالى لا للاسم ﴿الاسْمَآءُ الْحُسْنَى﴾ وحسن جميع أسمائه يستدعى حسن ذينك الاسمين.
والحسنى تأنيث الأحسن لأن حكم الأسماء حكم المؤنث نحو الجماعة الحسنى وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والجمال.
قال في "بحر العلوم" معنى كونها أحسن الأسماء أنها مستقلة بمعاني التقديس والتمجيد والتعظيم والربوبية والإلهية والأفعال التي هي النهاية في الحسن.
وقال بعضهم : نزلت هذه الآية حين سمع المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر فالمراد هو التسوية بين اللفظين بأنهما مطلقان على ذات واحدة وإن اختلف معناهما واعتبار إطلاقهما والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود أو للإباحة لأن الإباحة يجوز فيها الجمع بين الفعلين دون التخيير والله أعلم.
قال المولى الفناري رحمه الله : إن لاسم الجلالة اختصاصاً وضعياً واستعمالياً وللرحمن اختصاصاً استعمالياً وقولهم رحمن اليمامة مسيلمة تعنت في كفرهم كما لو سموه الله مثلاً انتهى.
وقال الإمام السهيلي رحمه الله في كتاب "التعريف والإعلام" : كان مسيلمة قديماً يتكذب ويتسمى بالرحمن وقد قيل إنه تسمى بالرحمن قبل مولد عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلّم ثم عَمَّرَ عمراً طويلاً إلى أن قتل باليمامة قتله وحشي في خلافة أبي بكر رضي الله عنه انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢
ـ وروي ـ أن بعض الجبابرة سمي نفسه بلفظ الجلالة فصهر ما في بطنه من دبره وهلك من ساعته لأن هذا الاسم الجليل لا يليق إلا لجناب الحق تعالى ولهذا لم يشاركه فيه أحد كما قال تعالى :﴿هَلْ تَعْلَمُ لَه سَمِيًّا﴾ (مريم : ٦٥) أي : مشاركاً له في هذا الاسم وقال فرعون مصر للقبط أنا ربكم الأعلى ولم يقدر أن يقول أنا الله تعالى.
قال حضرة الهدائي قدس سره استمداد جميع الأسماء من الاسم الرحمن الذي هو مقام خاتم النبوة والشفاعة العامة وإليه ينتهي كل الأسماء واستمداده من اسم الذات فينبغي للسالك أن لا يقصر بالعبادة في مراتب بعض الأسماء حتى يصل إلى المسمى ويجمع جميع الأسماء ويكون فوق الكل، وفي "المثنوي" :
دست شد بالاى دست اين تاكجا
تابيزدان كه اليه المنتهى
كان يكى درياست بى غور وكران
جمله درياها وسيلى يش ان
﴿وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ﴾ أي : بقراءة صلاتك في المسجد الحرام بحيث تسمع المشركين فإن
٢١٢
ذلك يحملهم على سب القرآن ومن أنزله ومن جاء به واللغو فيه ففيه حذف المضاف لأن الجهر والمخافتة صفتان تعتقبان على الصوت لا غير والصلاة أفعال وأذكار أو هو من تسمية الجزء بالكل مجازاً ﴿وَلا تُخَافِتْ بِهَا﴾ أي : بقراءتها بحيث لا تسمع من خلفك من المؤمنين.
قال الكاشفي :(وآواز فرو مدار بآن) ﴿وَابْتَغِ﴾ اطلب ﴿بَيْنَ ذَالِكَ﴾ أي : بين الجهر والمخافتة على الوجه المذكور ﴿سَبِيلا﴾ أمراً وسطاً فإن خير الأمور أوساطها والتعبير عن ذلك بالسبيل باعتبار أنه أمر يتوجه إليه المتوجهون ويؤمه المقتدون فيوصلهم إلى المطلوب.
ـ روي ـ أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول : أناجي ربي وقد علم حاجتي وعمر رضي الله عنه يجهر بها ويقول : أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان فلما نزلت أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً.
﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا﴾ لأن الولادة من صفات الأجسام لا غير وهو رد لليهود والنصارى وبني مدلج حيث قالوا عزير ابن الله والمسيح ابن الله والملائكة بنات الله تعالى عن ذلك علواً كبيراً ﴿وَلَمْ يَكُن لَّه شَرِيكٌ فِى الْمُلْكِ﴾ في ملك العالم أي : الألوهية فإن الكل عبيده والعبد لا يصلح أن يكون شريكاً لسيده في ملكه وهو ورد للثنوية القائلين بتعدد الآلهة، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٢
واحد اندر ملك اورا يا رني
بند كانش را جز او سالا رني
نيست خلقش را دكركس مالكى
شركتش دعوى كند جزها لكى


الصفحة التالية
Icon