الابتداء ومن مزيدة لتأكيد النفي ﴿كَبُرَتْ﴾ عظمت أي : نبت ﴿كَلِمَةً﴾ تمييز وتفسير للضمير المبهم الذهني في كبرت مثل ربه رجلاً ﴿تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ﴾ صفة للكلمة تفيد استعظام اجترائهم على التفوه بها والخارج بالذات هو الهواء الحامل لها يعني : إسناد الخروج إليها مع أن الخارج هو الهواء المتكيف بكيفية الصوت لملابسته بها.
قال القاضي : عظمت مقالتهم هذه في الكفر لما فيها من التشبيه والتشريك وإيهام احتياجه إلى ولد يعينه ويخلفه إلى غير ذلك من الزيغ.
وفي "التأويلات" : كبرت كلمة كفر وكذب قالوها عند الله تعالى وهي أكبر الكبائر إذ نسبوها إلى الله وكذبوا عليه وكذبوه ﴿إِن يَقُولُونَ﴾ أي : ما يقولون في هذا الشأن ﴿إِلا كَذِبًا﴾ إلا قولاً كذباً لا يكاد يدخل تحت إمكان الصدق.
﴿فَلَعَلَّكَ﴾ (س تو مكر) ﴿بَـاخِعٌ﴾ مهلك ﴿نَّفْسَكَ﴾.
قال في "التأويلات النجمية" : معناه نهي أي : لا تبخع نفسك كما يقال لعلك تريد أن تفعل كذا أي : لا تفعل كذا أو فكأنك كما قال تعالى في شأن عاد ﴿وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ﴾ (الشعراء : ١٢٩).
قال في "القاموس" : بخع نفسه كمنع قتلها عما وبخع بالشاة بالغ في ذبحها حتى بلغ البخاع هذا أصله ثم استعمل في كل مبالغة فلعلك باخع نفسك أي : مهلكها مبالغاً فيها حرصاً على إسلامهم والبخاع ككتاب عرق في الصدر ويجزي في عظم الرقبة وهو غير النخاع بالنون فيما زعم الزمخشري انتهى ﴿عَلَى ءَاثَـارِهِمْ﴾ غماً ووجداً على فراقهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٥
قال الكاشفي :(بعد ازبركشتن ايشان از تو ياس از انكار ايشان ترا يعني كار برخود آسان كير وغم بردل بى غل منه) ﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـاذَا الْحَدِيثِ﴾ أي : القرآن.
إن قلت تسمية القرآن حديثاً دليل على حدوثه.
قلت : سماه حديثاً لأنه يحدث عند سماعهم له معناه ولأنه عائد إلى الحروف التي وقعت بها العبارة عن القرآن كما في "الأسئلة المقحمة".
قال في "الصحاح" : الحديث ضد القديم ويستعمل في قليل الكلام وكثيره ﴿أَسَفًا﴾ مفعول له لباخع والأسف أشد الحزن كما في "القاموس" : إذ لفرط الحزن والغضب والحسرة مثل حاله صلى الله عليه وسلّم في شدة الوجد على إعراض القوم عن الإيمان بالقرآن وكمال التحسر عليهم بحال من يتوقع منه إهلاك نفسه عند مفارقة أحبته تأسفاً على مفارقتهم وهذه غاية الرحمة والشفقة على الأمة وكمال القيام بأداء حقوق الرسالة والإقدام على العبودية فوق الطاقة وكان من دأبه صلى الله عليه وسلّم أن يبالغ في القيام بما أمر إلى حد أن ينهى عنه كما أنه صلى الله عليه وسلّم حين أمر بالإنفاق بالغ فيه إلى أن أعطى قميصه وقعد في البيت عرياناً فنهي عن ذلك بقوله :﴿وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا﴾ (الإسراء : ٢٩) فتكلم بعض الكبار في الحزن فقال : الحزن حلية الأدباء طوبى لمن كان شعاره الحزن ودثاره الحزن وبيته الحزن وطعامه الحزن وشرابه الحزن به يلتذ الصديقون والنبيون إذا أحب الله تعالى عبداً ألقى له نائحة في قلبه ومن لم يذق طعام الحزن لم يذق لذة العبادة على أنواعها ولا يغرنك ما تسمع من قول صديق متمكن أن الحزن مقام نازل فإن مراده أن الحزن تابع للمحزون مثل العلم مع المعلوم فيتضع باتضاعه ويرتفع بارتفاعه.
قال إبراهيم بن بشار : صحبت إبراهيم بن أدهم فرأيته طويل الحزن دائم الفكر واضعاً يده على رأسه كأنما أفرغت عليه الهموم إفراغاً.
وكان سفيان عند رابعة
٢١٦
فقال : واحزناه فقالت : قل واقلة حزناه فإنك لو كنت حزيناً ما هنأك العيش.
وعن داود عليه السلام قال : الهي أمرتني أن أطهر قلبي فبماذا أطهر؟ قال : يا داود بالهموم والغموم، قال الحافظ :
روي زردست وآه درد آلود
عاشقانرا دواى رنجورى
اللهم منّ على قلبي بهمك.
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرْضِ﴾ من الحيوان والنبات والمعدن ﴿زِينَةً لَّهَا﴾ ولأهلها.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢١٥
قال في "التأويلات النجمية" : أي : زينا الدنيا وشهواتها للخلق ملاءمة لطباعهم وجعلناها محل ابتلاء ﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ لنعاملهم معاملة من يختبر حتى يظهر ﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلا﴾ في ترك الدنيا ومخالفة هوى نفسه طلباًومرضاته وأيهم أقبح عملاً في الإعراض عن الله وما عنده من الباقيات الصالحات والإقبال على الدنيا وما فيها من الفانيات الفاسدات.
قال في "الإرشاد" أي : استفهامية مرفوعة بالابتداء وأحسن خبرها وعملاً تمييز والجملة في محل النصب معلقة لفعل البلوى لما فيه من معنى العلم باعتبار عاقبته.
قال الكاشفي :(محققان برانندكى ما اى في ما على الأرض بمعنى من است ومراد انبيا يا علما يا حفظة قرآن كه زينت زمين ايشانند وجمعى كويند آرايش زمين برجال الله است ازان روى كه قيام عالم بوجود شريف ايشان بازبسته است) :
روى زمين بطلعت ايشان منور است
ون آسمان بزهره وخورشيد ومشترى


الصفحة التالية
Icon