﴿نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ﴾ أي : نخبرك ونبين لك وقد مر اشتقاقه في مطلع سورة يوسف ﴿نَبَأَهُم﴾ أي : خبِّر أصحاب الكهف والرقيم ﴿بِالْحَقِّ﴾ صفة لمصدر محذوف أي : نقص قصاً ملتبساً بالحق والصدق.
وفيه إشارة إلى أن القصاص كثيراً يقصون بالباطل ويزيدون وينقصون ويغيرون القصة كل واحد يعمل برأيه موافقاً لطبعه وهواه وما يقص بالحق إلا الله تعالى :﴿إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ﴾ (شبان) ﴿بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَـاهُمْ﴾.
قال في "التكملة" : سبب إيمانهم أن حوارياً من حواريي عيسى عليه السلام أراد أن يدخل مدينتهم فقيل له : إن على بابها صنماً لا يدخلها أحد إلا سجد له فامتنع من دخولها وأتى حماماً كان قريباً من تلك المدينة فآجر نفسه فيه فكان يعمل فيه فتعلق به فتية من أهل المدينة فجعل يخبرهم خبر السماء وخبر الآخرة حتى آمنوا به وصدقوه ثم هرب الحواري بسبب ابن الملك أراد دخول الحمام بامرأة فنهاه الحواري فانتهره فلما دخل مع المرأة ماتا في الحمام فطلبه الملك لما قيل له إنه قتل ابنك فهرب ثم قال الملك : من كان يصحبه؟ فسموا الفتية فهربوا إلى الكهف.
يقول الفقير : الظاهر أن إيمانهم كان بالإلهام الملكوتي والانجذاب اللاهوتي من غير دليل يدلهم على ذلك كما يشير إليه كلام "التأويلات" وسيأتي.
واختلف فيهم متى كانوا فروى بعض الناس أنهم كانوا قبل عيسى ابن مريم وأن عيسى أخبر قومه خبرهم وأن بعثهم من نومهم كان بعد رفع عيسى في الفترة بينه وبين محمد عليهما السلام.
وروي بعضهم أن أمرهم كان بعد عيسى وأنهم كانوا على دين عيسى.
قال الطبري وعليه أكثر العلماء ﴿وَزِدْنَـاهُمْ﴾ (وبيفزروديم ايشانرا) ﴿هُدًى﴾ بأن ثبتناهم على الدين الحق وأظهرنا لهم مكنونات محاسنه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢١
وفي "التأويلات النجمية" : سماهم باسم الفتوة لأنهم آمنوا
٢٢١
بالتحقيق لا بالتقليد وطلبوا الهداية من الله إلى الله بالله ولكنهم طلبوا الهداية في البداية بحسب نظرهم وقدر همتهم فالله تعالى على قضية ﴿وَزِدْنَـاهُمْ هُدًى﴾ أي : زدنا على متمناهم في الهداية فإنهم كانوا يتمنون أن يهديهم الله إلى الإيمان بالله وبما جاء به الأنبياء وبالبعث والنشور وإيماناً بالغيب فزاد الله على متمناهم في الهداية حين بعثهم من رقدتهم بعد ثلاثمائة وتسع سنين وما تغيرت أحوالهم وما بليت ثيابهم فصار الإيمان إيقاناً والغيب عيناً وعياناً.
ميوه باشد آخر از هار تو
كعبه باشد آخر اسفار تو
﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ﴾ أي : قويناهم حتى اقتحموا مضايق الصبر على هجر الأهل والأوطان والنعيم والإخوان واجترأوا على الصدع بالحق من غير خوف وحذار والرد على دقيانوس الجبار وفي الحديث "أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر" وذلك لأن المجاهد متردد بين رجاء وخوف وأما صاحب السلطان فمتعرض للتلف فصار الخوف أغلب.
قال في "الأساس" : ربطت الدابة شددتها برباط والمربط الخيل ومن المجاز ربط الله على قلبه أي : صبره ولما كان الخوف والقلق يزعج القلوب عن مقارها كما قال الله تعالى :﴿وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ﴾ (الأحزاب : ١٠) قيل في مقابلته ربط قلبه إذا تمكن وثبت وهو تمثيل شبه تثبيت القلوب بالصبر بشد الدواب بالرباط ﴿إِذْ قَامُوا﴾ منصوب بربطنا والمراد بقيامهم انتصابهم لإظهار شعار الدين وقيل : المراد قيامهم بين يدي دقيانوس الجبار من غير مبالاة به حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام فحينئذٍ يكون ما سيأتي من قوله تعالى :﴿هَؤُلاءِ﴾ منقطعاً عما قبله صادراً عنهم بعد خروجهم من عنده.
وفي "التأويلات النجمية" :﴿وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا﴾ يعني : لئلا يلتفتوا إلى الدنيا وزخارفها وينقطعوا إلى الله بالكلية ولذلك ما اختاروا بعد البعث الحياة في الدنيا ورغبوا في أن يرجعوا إلى جوار الحق تعالى :﴿فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ رب العالم ومالكه وخالقه والصنم جزؤ من العالم فهو مخلوق لا يصلح للعبادة ﴿لَن نَّدْعُوَا﴾ لن نعبد أبداً وبالفارسية (نخواهيم رستيد) ﴿مِن دُونِه إِلَـاهًا﴾ معبوداً آخر لا استقلالاً ولا اشتراكاً والعدول عن أن يقال رباً للتنصيص على رد المخالفين حيث كانوا يسمون أصنامهم آلهة ﴿لَّقَدْ قُلْنَآ إِذًا﴾ (آن هنكام كه ديكرى را رستيم) ﴿شَطَطًا﴾ قولاً ذا شطط أي : تجاوز عن الحد فهو نعت لمصدر محذوف بتقدير المضاف أو قولاً هو عين الشطط على أنه وصف بالمصدر مبالغة.
قال في "القاموس" شط في سلعته شططا محركة جاوز القدر والحد وتباعد عن الحق انتهى وحيث كانت العبادة مستلزمة للقول لما أنها لا تعرى عن الاعتراف بألوهية المعبود والتضرع إليه قيل لقد قلنا وإذا جواب وجزاء أي : لو دعونا من دونه إلهاً والله لقد قلنا قولاً خارجاً عن حد العقول مفرطاً في الظلم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢١


الصفحة التالية
Icon