ولكنهم كانوا مجذوبين من الله مربوبين بربهم وذلك من النوادر ولا حكم للنادر وإليه يشير قوله عليه السلام :"إن الله أدبني فأحسن تأديبي" وهذا من قدرة الله أن يهدي جماعة إلى الإيمان بلا واسطة رسول أو نبي ويجذبهم بجذبات العناية إلى مقامات القرب ومحل الأولياء بلا شيخ مرشد وهاد مرب ومن سنة الله أن يهدي عباده بالأنبياء والرسل وبخلافتهم ونيابتهم بالعلماء الراسخين والمشايخ المقتدين ففي قوله :﴿فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ﴾ إشارة إلى الالتجاء بالخلوة والتمسك بالمشايخ المسلكين يعني لهذه الطريقة ﴿يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ أي : يخصصكم برحمة الخاصة المضافة إلى نفسه وهو أن يجذبهم بجذبات العناية ويدخلهم في عالم الصفات ليتخلقوا بأخلاقه ويتصفوا بصفاته كقوله تعالى :﴿يُدْخِلُ مَن يَشَآءُ فِى رَحْمَتِهِ﴾ (الشورى : ٨) وله رحمة عامة مشتركة بين المؤمن والكافر والجن والإنس والحيوان ﴿وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا﴾ أي : ينشر لكم طريق الوصول والوصال كما في "التأويلات النجمية".
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢١
﴿وَتَرَى الشَّمْسَ﴾ يا محمد أو يا من يصلح للخطاب ويتأتى منه الرؤية وليس المراد به الإخبار بوقوع الرؤية تحقيقاً بل الأنباء بكون الكهف بحيث لو رأيته ترى الشمس.
قال الكاشفي :(آورده اندكه جوانان اتفاق نموده بكوه در آمدند وشبان ايشانرا بغار در آورد وون درو قرار كرفتند حق سبحانه وتعالى خواب برايشان كماشت همانجا بخفتند دقيانوس بعد ازدوسه روزى بافوس باز آمده أحوال جوانان رسيد وون ازفرار ايشان خبر يافت آباء ايشانرا براحضار ايشان تكليف نمود كفتند اي ملك مبلغي أموال ما برده بدين كوه متحصن شدند دقيانوس باجمعى ازعقب ايشان برفت وايشانرا درون غار تكيه كرده يافت نداشت كه بيدارندكفت درغاررابسنك بر آريد تاهم آنجا بميرند س درغاررا استوار كردند ودومؤمن ازمقربان دقيانوس اسامى واحوال جوانرا برلوحى ازسنك نقش كرد ودر ديوار غار وضع كردند باميد آنكه شايد كسى روزى آنجارسد وازحوال ايشان خبر دار كردد).
يقول الفقير : فيكون ما ذكر في الآية من تزاور الشمس وقرضها طالعة وغاربة قبل أن سد دقيانوس باب الكهف إذ لا يتصور دخول شعاع الشمس من الباب المسدود حتى يحتاج إلى التزاور والقرض كما لا يخفى ﴿إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ﴾ أي : تتزاور وتتنحى وتميل بحذف إحدى التاءين من الزور بفتح الواو وهو الميل ﴿عَن كَهْفِهِمْ﴾ الذي آووا إليه فالإضافة لأدنى ملابسة ﴿ذَاتَ الْيَمِينِ﴾ أي : جهة ذات يمين الكهف عند توجه الداخل إلى قعره أي : جانبه الذي يلي المغرب فلا يقع عليهم شعاعها فيؤذيهم لأن الكهف كان جنوبياً أي : كانت ساحته داخلة في جانب الجنوب أو زوّرها الله عنهم وصرفها
٢٢٤
على منهاج خرق العادة كرامة لهم وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين أي : الجهة المسماة باسم اليمين
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٢٤
﴿وَإِذَا غَرَبَت﴾ أي : تراها عند غروبها ﴿تَّقْرِضُهُمْ﴾ القرض القطع ومنه المقراض أي : تقطعهم ولا تقربهم ﴿ذَاتَ الشِّمَالِ﴾ أي : جهة ذات شمال الكهف أي : جانبه الذي يلي المشرق.
وفي "القاموس" تقرضهم ذات الشمال أي : تخلفهم شمالاً وتجاوزهم وتقطعهم وتتركهم على شمالها ﴿وَهُمْ فِى فَجْوَةٍ مِّنْهُ﴾ الفجوة الفرجة وما اتسع من الأرض وساحة الدار وهي جملة حالية مبنية لكون ذات أمراً بديعاً أي : تراها تميل عنهم يميناً وشمالاً ولا تحوم حولهم في نهارهم كله مع أنهم في متسع من الأرض أي : في وسط معرض لإصابتها لولا أن صرفتها عنهم يد التقدير ﴿ذَالِكَ﴾ أي : ما صنع الله بهم من تزاور الشمس وقرضها حالتي الطلوع والغروب مع كونهم في موقع شعاعها ﴿مِنْ ءَايَـاتِ اللَّهِ﴾ العجيبة الدالة على كمال علمه وقدرته وحقية التوحيد وكرامة أهله عنده ﴿مَنْ﴾ (هركه) ﴿يَهْدِ اللَّهُ﴾ إلى الحق بالتوفيق له ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾ الذي أصاب الفلاح واهتدى إلى السعادة كلها فلن يقدر على إضلاله أحد والمراد إما الثناء عليهم بأنهم المهتدون أو التنبيه على أن أمثال هذه الآية كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للاستبصار بها ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾ أي : يخلق فيه الضلالة لصرف اختياره إليها ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُ﴾ أبداً وإن بالغت في التتبع والاستقصاء ﴿وَلِيًّا﴾ ناصراً ﴿مُّرْشِدًا﴾ يهديه إلى الفلاح لاستحالة وجوده في نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إمكانه.


الصفحة التالية
Icon