تعالى ﴿مِن وَلِىٍّ﴾ يتولى أمرهم وينصرهم استقلالاً ومن الأولى متعلقة بولي على الحال والثانية للاستغراق كأنه قيل ما لهم من دونه ولي ما ﴿وَلا يُشْرِكُ فِى حُكْمِه أَحَدًا﴾ أي : لا يجعل الله تعالى أحداً من الموجودات العلوية والسفلية شريكاً لذاته العالية في قضائه الأزلي إلى الأبد لعزته وغناه.
قال الإمام المعنى أنه تعالى لما حكى أن لبثهم هو هذا المقدار فليس لأحد أن يقول بخلافه انتهى.
قال بعض الكبار هذه الأمور المدبرة المنزلة بين السموات والأرض الجارية الجادثة في الواقع الظاهرة على أيدي مظاهرها وأسبابها في الخارج في الليل والنهار هي الأمور المحكمة المحفوظة من تبديل غير الحق تعالى وتغييره لأنها المقادير التي قدرها ودبرها واحكم صنعها ولا قدرة لأحد غيره على محو ما أثبته وإثبات ما محاه ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ﴾ (الرعد : ٣٩) وليس لغيره كائناً من كان غير التسليم والرضى إذ ليس بشريك له تعالى في حكمه وفي الحديث القدسي "قدرت المقادير ودبرت التدبير وأحكمت الصنع فمن رضي فله الرضى مني حتى يلقاني ومن سخط فله السخط مني حتى يلقاني"، قال الحافظ :
رضا بداده بده وزجبين كره بكشاي
كه برمن وتو در اختيار نكشادست
وقال :
در دائره قسمت ما نطقه تسليميم
لطف آنه توانديشى حكم انه توفرمايى
يعني : ليس للعبد اعتراض على المولى في حكمه وأمره وإنما له التسليم والرضى وترك التدبير كما قال بعض الكبار عن لسان الحق تعالى يا مهموماً بنفسه كنت من كنت لو ألقيتها إلينا وأسقطت تدبيرها وتركت تدبيرك لها واكتفيت بتدبيرنا لها من غير منازعة في تدبيرنا لها لاسترحت جعلنا الله وإياكم هكذا بفضله وهذا مقال عال لم يصل إليه إلا أفراد الرجال الذين رفعوا منازعة النفس من البين ومشوا بالتسليم والرضى في كل أين يا رجل أين هم في هذا الزمان وكيف تبين حالهم للإنسان فاجتهد لعلك تظفر بواحد منهم حتى تكون ممن رضي الله عنهم.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
﴿وَاتْلُ مَآ أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ﴾ أي : القرآن للتقرب إلى الله تعالى بتلاوته والعمل بموجبه والاطلاع على أسراره ولا تسمع لقولهم ائت بقرآن غير هذا أو بدله والفرق بين التلاوة والقراءة أن التلاوة قراءة القرآن متابعة كالدراسة والأوراد الموظفة والقراءة أعم لأنها جمع الحروف باللفظ لا اتباعها ﴿لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَـاتِهِ﴾ لا قادر على تبديله وتغييره غيره تعالى كقوله :﴿وَإِذَا بَدَّلْنَآ ءَايَةً مَّكَانَ ءَايَةٍ﴾ (النحل : ١٠١) فهو عام مخصوص فافهم ﴿وَلَن تَجِدَ﴾ أبد الدهر وإن بالغت في الطلب ﴿مِن دُونِهِ﴾ تعالى ﴿مُلْتَحَدًا﴾ ملتجأ تعدل إليه عند نزول بلية.
وقال الشيخ في تفسيره ولن تجد من دون عذابه ملتجأ تلجأ إليه إن هممت بذلك التبديل فرضاً انتهى.
واعلم أن القرآن لا يتبدل أبداً ولا يتغير بالزيادة والنقصان سرمداً وكذا أحكامه لأنه محفوظ في الصدور بنظمه ومعانيه وإنما يتبدل أهله بتبدل الأعصار فيعود العلم والعمل إلى الجهل والترك نعوذ بالله تعالى.
قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : مررت بحجر مكتوب عليه قلبني أنفعك فقلبته فإذا مكتوب عليه أنت بما تعلم لا تعمل فكيف تطلب ما لم تعلم.
كر همه علم عالمت باشد
بى عمل ومدعى وكذابى
٢٣٧
ومن فرق المتصوفة المبتدعة قوم يسمون بالإلهامية يتركون طلب العلم والدرس ويقولون القرآن حجاب والأشعار قرآن الطريقة فيتركون القرآن ويتعلمون الأشعار فهلكوا بذلك قال الكمال الخجندي :
دل از شنيدن قرآن بكيردت همه وقت
و باطلان ز كلام حقت ملولى يست
قال إبراهيم الخواص : جلاء القلب ودواؤه خمسة : قراءة القرآن بالتدبر، وإخلاء البطن، وقيام الليل، والتضرع إلى الله عند السحر، ومجالسة الصالحين فمن اشتغل بشهوته وهواه عن هذه الأمور الشاقة بقي على مرضه الروحاني ولم يجد لنفسه ملتحداً سوى العذاب والهلاك فانظر يا مسيىء الأدب أن لا مرجع إلا إلى الله تعالى فكيف ترجع إليه بالأشعار التي اخترعتها أنت وأمثالك من أهل النفس والهوى بدل القرآن الذي أرسله الله إليك وأمر بالعمل به فما جوابك يوم يجثو المقربون على ركبهم من الهول كما قال الشيخ سعدي :
دران روز كز فعل رسند وقول
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٣٦
اولو العزم را تن بلرزد زهول
بجايى كه دهشت خورد انبيا
توعذر كنه را ه دارى بيا


الصفحة التالية
Icon