﴿أولئك﴾ المنعوتون بالنعت الجليل ﴿لَهُمْ جَنَّـاتُ عَدْنٍ﴾.
قال الإمام العدن في اللغة : الإقامة فيجوز أن يكون المعنى أولئك لهم جنات إقامة كما يقال هذه دار إقامة ويجوز أن يكون العدن اسماً لموضع معين من الجنة وهو وسطها وأشرف مكان وقوله جنات لفظ جمع فيمكن أن يكون المراد ما قاله تعالى :﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّه جَنَّتَانِ﴾ (الرحمن : ٤٦) ثم قال :﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ ويمكن أن يكون نصيب كل واحد من المكلفين جنة على حدة ﴿تَجْرِى مِن تَحْتِهِمُ الانْهَـارُ﴾ الأربعة من الخمر واللبن والعسل والماء العذب وذلك لأن أفضل البساتين في الدنيا البساتين التي تجري فيها الأنهار ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا﴾ أي : في تلك الجنات من حليت المرأة إذا لبست الحلي وهي ما تتحلى به من ذهب وفضة وغير ذلك من الجوهر والتحلية (يرايه بركردن).
قال الكاشفي :(يرايه بسته شوند دران بوستانها) ﴿مِنْ أَسَاوِرَ﴾ من ابتدائية وأساور جمع أسورة وهي جمع سواء بالفارسية (دستوان) ﴿مِن ذَهَبٍ﴾ من بيانية صفة لأساور وتنكيرها لتعظيم حسنها وتبعيده من الإحالة به.
قال في "بحر العلوم" وتنكير أساور للتكثير والتعظيم.
عن سعيد بن جبير يحلى كل واحد منهم ثلاثة أساور : واحد من ذهب وواحد من فضة وواحد من لؤلؤ وياقوت فهم يسورون بالأجناس الثلثة عن المعاقبة أو على الجمع كما تفعله نساء الدنيا ويجمعن بين أنواع الحلى.
قال بعض الكبار : أي يتزينون بأنواع الحلي من حقائق التوحيد الذاتي ومعاني التجليات العينية الأحدية فالذهبيات هي الذاتيات والفضيات هي الصفات النوريات كما قال :﴿وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ﴾ (الإنسان : ٢١) ﴿وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا﴾ (جامهاى سيز) وذلك لأن الخضرة أحسن الألوان وأكثرها طراوة وأحبها إلى الله تعالى :﴿مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ﴾ ما رق من الديباج وما غلظ منه والديباج الثوب الذي سداه ولحمته ابريسم واستبرق ليس باستفعل من البرق كما زعمه بعض الناس بل معرب استبره جمع بين النوعين للدلالة على أن لبسهما مما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٣
اعلم أن لباس أهل الدنيا إما لباس التحلي وإما لباس الستر فأما لباس التحلي فقال تعالى في صفته :﴿يُحَلَّوْنَ﴾ الآية وأما لباس الستر فقال تعالى في صفته ﴿وَيَلْبَسُونَ﴾ الآية.
فإن قيل : ما السبب في أنه تعالى قال في الحلي يحلون على فعل ما لم يسم فاعله والمحلي هو الله أو الملائكة وقال في السندس والاستبرق ويلبسون بإسناد اللبس إليهم.
قلنا : يحتمل أن يكون اللبس إشارة إلى ما استوجبوه بعلمهم بمقتضى الوعد الإلهي وأن يكون الحلي إشارة إلى ما تفضل الله به عليهم تفضلاً زائداً على مقدار الوعد وأيضاً فيه إيذان بكرامتهم وبيان أن غيرهم يفعل بهم ذلك ويزينهم به بخلاف اللبس فإنه يتعاطاه بنفسه شريفاً وحقيراً
٢٤٣
يقول الفقير : لا شك أن لباس الستر يلبسه المرء بنفسه ولو كان سلطاناً فلذا أسند إليه وأما لباس الزينة فغيره يزينه به عادة كما يشاهد في السلاطين والعرائس ولذا أسند إلى غيره على سبيل التعظيم والكرامة ﴿مُّتَّكِـاِينَ فِيهَا عَلَى الارَآاـاِكِ﴾ جمع أريكة : وهي السرير في الحجال ولا يسمى السرير وحده أريكة.
والحجال جمع حجلة وهي بيت يزين بالثياب للعروس وخص الاتكاء لأنه هيئة المتنعمين والملوك على أسرتهم.
قال ابن عطاء متكئين على أرائك الإنس في رياض القدس وميادين الرحمة فهم على بساتين الوصلة شاهدون عليكم في كل حال ﴿نِعْمَ الثَّوَابُ﴾ ذلك إشارة إلى جنات عدن ونعيمها والثواب جزاء الطاعة ﴿وَحَسُنَتْ﴾ أي : الأرائك ﴿مُرْتَفَقًا﴾ أي : متكأ ومنزلاً للاستراحة.
اعلم أنه لا كلام في حسن الجنة وصفة نعيمها وإنما الكلام في الاستعداد لها فالصالحات من الأعمال من الأسباب المعدة لها وهي ما كانت لوجه الله تعالى من الصوم والصلاة وسائر وجوه الخيرات، قال الشيخ سعدي قدس سره :
قيامت كه بازار مينو نهند
منازل باعمال نيكو نهند
كسى راكه حسن عمل بيشتر
بدركاه حق منزلت يشتر
بضاعت بندانكه آرى برى
اكر مفلسى شر مسار برى
كه بازار ندانكه آكنده تر
تهى دست را دل را كنده ثر
قال في "التأويلات النجمية" : إن لأهل الإيمان والأعمال جزاء يناسب صلاحية أعمالهم وحسنها فمنها أعمال تصلح للسير بها إلى الجنات وغرفها وهي الطاعات والعبادات البدنية بالنية الصالحة على وفق الشرع والمتابعة ومنها أعمال تصلح للسير إلى الله تعالى وهي الطاعات القلبية من الصدق في طلب الحق والإخلاص في التوحيد وترك الدنيا والإعراض عما سوى الله والإقبال على الله بالكلية والتمسك بذيل إرادة الشيخ الكامل الواصل المكمل الصالح ليسلكوا ولا يغتر بالأماني فإن من زرع الشعير لا يحصد حنطة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٣