ـ حكي ـ أن رجلاً ببلخ أمر عبده أن يزرع حنطة فزرع شعيراً فرآه وقت حصاده وسأله وقال : زرعت شعيراً على ظن أن ينبت حنطة فقال : يا أحمق هل رأيت أحداً زرع شعيراً فحصد حنطة فقال : العبد فكيف تعصى الله أنت وترجو رحمته.
هر كسى آن درود عاقبت كار كه كشت†
أما علمت أن الدنيا مزرعة الآخرة؟ قال : حضرة جلال الدين الرومي قدس سره :
جمله دانند اين اكرتو نكروى
هره مى كاريش روزى بدورى
فتاب الرجل وأعتق غلامه فمن أيقظه الله عن سنة الغفلة عرف الله وكان في تحصيل مرضاته ومرتبة العارف فوق مرتبة العابد والكرامات الكونية لا قدر لها.
وقد ثبت فضل أبي بكر الصديق رضي الله عنه على سائر الصحابة رضي الله عنهم حتى قيل في شأنه أن الله يتجلى لأهل الجنة عامة ولأبي بكر خاصة مع أنه لم ينقل عنه شيء من الخوارق وذلك التجلي إنما هو بكرامته العلمية التي أعطاها الله إياه وأحسن التحقيق بحقائقها ولأهلها جنة عاجلة قلبية في الدنيا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٣
﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلا رَّجُلَيْنِ﴾ مفعولان لإضرب أولهما ثانيهما لأنه المحتاج إلى
٢٤٤
التفصيل والبيان أي : اضرب يا محمد وبين للكافرين المتقلبين في نعم الله والمؤمنين المكابدين لمشاق الفقر مثلاً حال من رجلين مقدرين أو أخوين من بني إسرائيل.
قال في الجلالين : يريد ابني ملك كان في بني إسرائيل.
قال أبو حيان ويظهر من قوله :﴿فَقَالَ لِصَـاحِبِهِ﴾ أنه ليس أخاه انتهى.
يقول الفقير : هذا ذهول عن عنوان الكلام إذ التعبير عنهما برجلين يصحح إطلاق الصاحب على الأخ وأيضاً أخذ الكافر بيد أخيه المسلم وإدخاله إياه جنته طائفاً به فيما يأتي مما ينادي على صحة ما ادعيناه إذ لا تنافي هذه الصحبة الأخوة وكل منهما من أخص الأوصاف قالوا : كان أحد الأخوين مؤمناً واسمه يهودا والآخر كافراً واسمه قطروس بضم القاف ورثا من أبيهما ثمانية آلاف دينار فتقاسماها بينهما فاشترى الكافر أرضاً بألف دينار وبنى داراً بألف دينار وتزوج امرأة بألف واشترى خدماً ومتاعاً بألف فقال المؤمن : اللهم إن أخي اشترى أرضاً بألف دينار وأنا أشتري منك أرضاً في الجنة فتصدق به وإن أخي بنى داراً بألف دينار وأنا أشتري منك داراً في الجنة فتصدق به وإن أخي تزوج امرأة بألف وأنا أجعل ألفاً صداقاً للحور فتصدق به وإن أخي اشترى خدماً ومتاعاً بألف وأنا أشتري منك الولدان المخلدين بألف فتصدق ثم أصابته حاجة فجلس لأخيه على طريقه فمر به في حشمه فقام إليه فنظر إليه وقال : ما شأنك؟ قال : أصابتني حاجة فأتيت لتصيبني بخير فقال : وما فعلت بمالك وقد اقتسمنا مالاً وأخذت شطره فقص عليه القصص قال : إنك إذاً لمن المتصدقين بهذا اذهب فلا أعطينك شيئاً فطرده ووبخه على التصدق بماله ﴿جَعَلْنَا لاحَدِهِمَا﴾ وهو الكافر ﴿جَنَّتَيْنِ﴾ بستانين ﴿مِنْ أَعْنَـابٍ﴾ من كروم متنوعة فإطلاق الأعناب عليها مجازاً ويجوز أن يكون بتقدير المضاف أي أشجار أعناب ﴿وَحَفَفْنَـاهُمَا بِنَخْلٍ﴾ أي : جعلنا النخل محيطة بالجنتين ملفوفاً بها كرومهما وبالفارسية (يعني درختان خرما كردا كرد در آورديم) يقال : حفه القوم إذا طافوا به أي : استداروا وحففته بهم أي : جعلتهم حافين حوله وهو متعد إلى مفعول واحد فتزيده الباء مفعولاً ثانياً مثل غشيته وغشيته به ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا﴾ وسطهما يعني (يدا كرديم ميان آن دوباغ) ﴿زَرْعًا﴾ ليكون كل منهما جامعاً للأقوات والفواكه متواصل العمارة على الشكل الحسن والترتيب الأنيق.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٤
﴿كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ ءَاتَتْ أُكُلَهَا﴾ بثمرها وبلغ مبلغاً صالحاً للأكل وأفراد الضمير في آتت للحمل على لفظ المفرد.
قال الحريري ولا يثنى خبر كلا إلا بالحمل على المعنى أو لضرورة الشعر ﴿وَلَمْ تَظْلِم مِّنْهُ﴾ لم تنقض من أكلها ﴿شَيْـاًا﴾ كما يعهد في سائر البساتين فإن الثمار تتم في عام واحد وتنقص في عام غالباً وكذا بعض الأشجار تأتي بالثمر في بعض الأعوام دون بعض ﴿وَفَجَّرْنَا خِلَـالَهُمَا﴾ وشققنا فيما بين كل من الجنتين وأخرجنا وأجرينا ﴿نَهَرًا﴾ على حدة ليدوم شربهما ونزيد بهاؤهما ولعل تأخير ذكر تفجير النهر عن ذكر إيتاء الأكل مع أن الترتيب الخارجي على العكس للإيذان باستقلال كل من إيتاء الأكل وتفجير النهر في تكميل محاسن الجنتين ولو عكس لانفهم أن المجموع خصلة واحد بعضها مرتب على بعض فإن إيتاء الأكل متفرع على السقي عادة وفيه إيماء إلى أن إيتاء الأكل لا يتوقف على السقي كقوله تعالى :﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِىاءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ (النور : ٣٥) ﴿وَكَانَ لَهُ﴾ أي : لصاحب الجنتين ﴿ثَمَرٌ﴾ أنواع من المال غير
٢٤٥