﴿قَالَ لَه صَاحِبُهُ﴾ أي : أخوه المؤمن وهو استئناف كما سبق ﴿وَهُوَ يُحَاوِرُهُ﴾ أي : والحال أن القائل يخاطبه ويجادله : قال في "الإرشاد" وفائدة هذه الجملة الحالية التنبيه من الأمر الأول على أن ما يتلوه كلام معتنى بشأنه مسوق للمحاورة ﴿أَكَفَرْتَ﴾ حيث قلت : ما أظن الساعة قائمة فإنه شك في صفات الله وقدرته ﴿بِالَّذِى خَلَقَكَ﴾ أي : في ضمن خلق أصلك آدم عليه السلام ﴿مِن تُرَابٍ﴾ فإنه متضمن بخلقه منه إذ هو أنموذج مشتمل إجمالاً على جميع أفراد الجنس وهمزة الاستفهام للتقرير والإمكان بمعنى ما كان ينبغي أن تكفر ولم كفرت بمن أوجدك من تراب أولاً ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ أي : من مني في رحم أمك ثانياً وهي مادتك القريبة ﴿ثُمَّ سَوَّاـاكَ﴾ جعلك معتدل الخلق والقامة حال كونك ﴿رَجُلا﴾ إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال.
قال في "القاموس" الرجل بضم الجيم وسكونها معروف أو إنما هو إذا احتلم وشب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٦
﴿لَّـاكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّى﴾ أصله لكن أنا فحذفت الهمزة بنقل حركتها إلى نون لكن أو بدون نقل على خلاف القياس فتلاقت النونان فكان الإدغام أثبت جميع القراء ألفها في الوقف وحذوفها في الوصف غير ابن عامر فإنه أثبتها في الوصل أيضاً لتعويضها من الهمزة أو لاجراء الوصل مجرى الوقف وهو ضمير الشأن مبتدأ خبره الله ربي وتلك الجملة خبر أنا والعائد منها إليه ياء الضمير في ربي والاستدراك من قوله : أكفرت كأنه قال لأخيه : أنت كافر بالله لكني مؤمن موحد فوقع لكن بين جملتين مختلفتين في النفي والإثبات ﴿وَلا أُشْرِكُ بِرَبِّى أَحَدًا﴾ فيه إيذان بأن كفره كان بطريق الإشراك.
﴿وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ﴾ وهلا قلت عند دخول جنتك ﴿مَا شَآءَ اللَّهُ﴾ ما موصولة خبر مبتدأ محذوف أي : الأمر ما شاء الله واللام في الأمر للاستغراق والمراد تحضيضه على الاعتراف بأنها وما فيها بمشيئة الله تعالى إن شاء أبقاها على حالها عامرة وإن شاء أفناها وجعلها خربة ﴿لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ﴾ أي : هلا قلت ذلك اعترافاً بعجزك وبأن ما تيسر لك من عمارتها وتدبيرها إنما هو بمعونته تعالى وإقداره وفي الحديث :"من رأى شيئاً فأعجبه فقال : ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم تضره العين" وفي الحديث :"من رأى أحداً أعطي خيراً من أهل أو مال فقال عنده ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم ير فيه مكروهاً" وفسر النبي عليه السلام معنى لا حول ولا قوة إلا بالله فقال :"لا حول تحول عن معاصي الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بالله" وروي "أنها دواء من تسعة وتسعين داء أيسرها الهمّ" ﴿إِن تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالا وَوَلَدًا﴾ أصله أن ترني والرؤية إما بصرية بأقل حال وإما علمية فهو مفعول ثان والأول ياء المتكلم المحذوفة وأنا على التقديرين تأكيد للياء.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٧
﴿فَعَسَى﴾ لعل ﴿رَبِّى أَن يُؤْتِيَنِ﴾ أصله يؤتينني ﴿خَيْرًا مِّن جَنَّتِكَ﴾ هذه في الآخرة بسبب إيماني لأن الجنة الدنيوية فانية والأخروية باقية والجملة جواب الشرط ﴿وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا﴾ على جنتك في الدنيا ﴿حُسْبَانًا مِّنَ السَّمَآءِ﴾ عذاباً يرميها
٢٤٧
به من برد أو صاعقة أو نار.
قال في "القاموس" : الحسبان بالضم جمع حساب والعذاب والبلاء والشر والصاعقة.
يقول الفقير : إنما توقعه في حقه لعلمه بأن الكفران مؤد إلى الخسران وأن الإعجاب سلب للخراب كما قال تعالى :﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ (الرعد : ١١) فكلامه هذا جواب عن قول صاحبه المنكر ما أظن أن تبيد هذه أبداً ﴿فَتُصْبِحَ﴾ الإصباح هنا بمعنى الصيرورة أي : تصير جنتك ﴿صَعِيدًا زَلَقًا﴾ مصدر أريد به المفعول مبالغة أي : أرضاً ملساء يزلق عليها بملاصقتها باستئصال نباتها وأشجارها وجوز القرطبي أن تكون زلقاً من زلق رأسه أي : حلقه والمراد أنه لا يبقى فيها نبات كالرأس المحلوق فزلقا بمعنى مزلوق أيضاً.
﴿أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْرًا﴾ أي : غائراً في الأرض ذاهباً لا تناله الأيدي ولا الدلاء فأطلق هذا المصدر مبالغة ﴿فَلَن تَسْتَطِيعَ﴾ تقدر إبداله ﴿لَهُ﴾ أي : للماء الغائر ﴿طَلَبًا﴾ فضلاً عن وجدانه ورده.
قال في الجلالين لا يبقى له أثر تطلبه به.