﴿وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ أي : اذكر لقومك وبين ما يشبهها في زهرتها ونضارتها وسرعة زوالها لئلا يطمئنوا ولا يعكفوا عليها ولا يعرضوا عن الآخرة بالكلية ﴿كَمَآءٍ﴾ استئناف لبيان المثل أي : هي كماء ﴿أَنزَلْنَـاهُ مِنَ السَّمَآءِ﴾ (از سحاب يا از جانب سما) ليس المراد تشبيه حال الدنيا بالماء وحده بل بمجموع ما في حيز الأداة.
﴿فَاخْتَلَطَ بِه نَبَاتُ الأرْضِ﴾ إلتف
٢٤٩
وتكاثف بسببه حتى خالط بعضه بعضاً.
يعني :(قوت كرفت ونشو ونماى خود بكمال رسانيد وزمين بدو تازه وخرم شد) ﴿فَأَصْبَحَ﴾ فصار ذلك النبات الملتف أثر بهجته ﴿هَشِيمًا﴾ مهشوماً مكسوراً ليبسه من الهشم وهو كسر الشيء الرخو ﴿تَذْرُوهُ الرِّيَـاحُ﴾ تحمله وتفرقه يقال ذرت الريح الشيء وأذرته وذرته اطارته واذهبته وذرا هو بنفسه والحنطة نقاها في الريح كما في "القاموس".
وهذه الآية مختصرة من قوله :﴿إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ﴾ (يونس : ٢٤) الآية.
قال الكاشفي :(همنين آدمى بزندكى وتازكى كه دارد خوش برآيد همنين كه نامه عمر ازعنفوان بايان رسد مقتضى أجل در آمده نهال نهاداورا بصر صرفنا خشك سازد وخر منهاى از وآرزورا بباد نيستى بر دهد) :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٧
بهار عمر بسى دلفريب ورنكينست
ولى ه سود كه دارد خزان مرك از ى
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ﴾ من الإنشاء والإبقاء والإفناء وغير ذلك ﴿مُّقْتَدِرًا﴾ قادراً على الكمال لا يعجزه شيء.
فعلى العاقل أن لا يغتر بالحياة الدنيا فإنها فانية ولو طالت مدتها وزائلة ولو أعجبت زينتها، قال الشيخ سعدي قدس سره :
و شيبت در آمد بروى شباب
شبت روزشد ديده بركن زخواب
دريغاكه بكذشت عمر عزيز
بخواهد كذشت اين دمى ند نيز
فرو رفت جم را يكى نازنين
كفن كردون كرمش ابريشمين
بدخمه در آمد س از ند روز
كه بروى بكريد بزارى وسوز
و وشيده ديدش حرير كفن
بفكرت نين كفت باخو يشتن
من از كرم بركنده بودم بزور
بكندند ازو باز كرمان كور
در يغا كه بى ما بسى روز كار
برويد كل وبشكفد نو بهار
واعلم أن الذي أدركته العناية الأزلية بعد تعلق الروح بالجسد كتعلق الماء بالأرض فيبعث الله إليه دهقاناً من دهاقين الأولياء والأنبياء ومعه بذر الإيمان والتوحيد ليلقيه بيد الدعوة وتبليغ الرسالة في أرض نفسه فيقع منها في تربة طيبة وهي القلب كما ضرب الله تعالى مثلاً ﴿كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ﴾ (إبراهيم : ٣٤) وكقوله :﴿وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُه بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ فينبت عن بذر التوحيد وهي كلمة لا إله إلا الله شجرة الإيمان بماء الشريعة فيعلو به الروح من أسفل سافلين الإنسانية إلى أعلى درجات الروحانية وأقرب منازل قربات الربانية كقوله تعالى :﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّـالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر : ١٠) والله تعالى قادر على أن يخذله وينفيه في أسفل سافلين الجسمانية الحيوانية ليصير الروح العلوي كالأنعام بل هو أضل وعلى أن يجذبه بجذبات العناية إلى أعلى عليين مراتب القرب ليكون مسجوداً لملائكة المقربين، قال المولى الجامي :
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند
سالها كره درين راء تك ووى كنند
نسأل الله تعالى أن يجذبنا بسلاسل محبته ويجعلنا من أهل طاعته وقربته.
قال وهب : رأيت في بعض الكتب الدنيا غنيمة الأكياس وغفلة الجهال فالأنبياء والأولياء صلوات الله عليهم كانوا في الدنيا ولم يلتفتوا إليها ولم يرغبوا فيها قالوا : ليس كل من دخل المحبس يكون محبوساً
٢٥٠
فيه بل ربما دخله لإخراج المحبوس واستنقاذ المأسور فالنفوس النبوية ومن يتبعها إنما وردت إلى عالم الكون والفساد لاستنقاذ النفوس المحبوسة المأسورة فكما أن المحبوس إذا اتبع ذلك الداخل خرج ونجا فكذلك من اتبع الأنبياء في سننهم ومناهجهم خرج ونجا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٤٧
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ الزينة مصدر في الأصل أطلق على المفعول مبالغة كأنهما نفس الزينة والمعنى أن ما يفتخر به الناس لا سيما رؤساء العرب من المال والبنين شيء يتزينون به في الحياة الدنيا ويفني عنهم عن قريب.
وبالفارسية :(مال وسران آرايش زندكانىء دنيا آمد ندتوشه راه معاد ه باندك زماني تلف وهدف زوال خواهد شد) وفي "المثنوي" :
همنين دنيا اكره خوش شكفت
بانك هم زد بيوفايىء خويش كفت
كون مى كويد بيامن خوش ى ام
وإن فسادش كفت رو من لا شي ام
اى زخوبى بهاران لب كزان
بنكر آن سردى وزردىء خزان
كودكى از حسن شد مولاى خلق
بعد فردا شد خرف رسواى خلق
﴿وَالْبَـاقِيَـاتُ الصَّـالِحَـاتُ﴾ الباقيات اسم لأعمال الخير لا وصف ولذا لم يذكر الموصوف أي : أعمال الخير التي تبقى ثمراتها أبد الآباد من الصلاة والصوم وأعمال الحج وسبحان الله والحمدولا إله إلا الله والله أكبر ونحو ذلك من الكلم الطيب.