وفي "التأويلات" :﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾ أي : صفاً صفاً من الأنبياء والأولياء والمؤمنين والكافرين والمنافقين ويقال لهم :﴿لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَـاكُمْ أَوَّلَ مَرَّة﴾ في
٢٥٢
خمسة صفوف : صف من الأنيباء، وصف من الأولياء، وصف من المؤمنين، وصف من الكافرين، وصف من المنافقين ﴿بَلْ زَعَمْتُمْ﴾ أيها الكافرون المنكرون للبعث والزعم الادعاء بالكذب ﴿أَنْ﴾ مخففة من الثقيلة ﴿أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِدًا﴾ بل للخروج والانتقال من قصة إلى أخرى كلاهما للتوبيخ والتقريع أي : زعمتم في الدنيا أنه لن نجعل لكم أبداً وقتاً ننجز فيه ما وعدناه على ألسنة الأنبياء من البعث وما يتبعه.
والآية تشير إلى عزته تعالى وعظمته وإظهار شظية من صفة جلاله وقهره وآثار عدله لينتبه النائمون من نوم غفلتهم ويتأهب الغافلون بإسباب النجاة لذلك اليوم ويصلحوا أمر سريرتهم وعلانيتهم لخطاب الحق تعالى وجوابه إذ إليه المرجع والمآب والعرض على الله هو العرض الأكبر ليس كعرض على الملوك.
قال عتبة الخواص : بات عندي عتبة الغلام فبكى حتى غشي عليه فقلت : ما يبكيك؟ قال : ذكر العرض على الله قطع أوصال المحبين.
ـ حكي ـ أن سليمان بن عبد الملك وهو سابع خلفاء المروانية قال لأبي حازم : ما لنا نكره الآخرة؟ قال : لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون الانتقال من العمران إلى الخراب فقال : صدقت يا أبا حازم فيا ليت شعري ما لنا عند الله تعالى غداً قال : إن شئت تعلم ذلك ففي كتاب الله فقال : أين أجده؟ فقال في قوله :﴿إِنَّ الابْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ﴾ (الانفطار : ١٣ ـ ١٤) قال : فكيف يكون العرض على الله تعالى فقال : أما المحسن فكالغائب يقدم على أهله مسروراً وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه محسوراً فبكي سليمان بكاء شديداً، قال الشيخ سعدي قدس سره :
نر يزد خدا آب روى كسى
كه ريزد كناه آب شمش بسى
كر آيينه ازآه كردد سياه
شود روشن ريينه دل زآه
بترس ازكناهان خويش اين نفس
كه روز قيامت نترسى زكس
ليدى كند كربه در جاى اك
و زشتش نمايد بيوشد بخاك
تو آزادى ازنا سنديدها
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٢
نترسى كه بروى فتد ديدها
بر انديش ازبنده ر كناه
كه از خواجه غائب شود ندكاه
اكرباز كردد بصدق ونياز
بز نجير وبندش نيار ندباز
ـ روي ـ عن الفضيل بن عياض رحمه الله أنه قال : إني لا أغبط ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً ولا عبداً صالحاً أليس هؤلاء يعاينون القيامة وأهوالها وإنما أغبط من لم يخلق لأنه لا يرى أحوال القيامة وشدائدها وذلك لأن من عاين الأمر على ما هو عليه اشتد خوفه ولم ير لنفسه حالاً ولا مقاماً مع أن المرء لا يخلو عن أسباب منجية ومهلكة فأي الرجال المهذب.
ـ روي ـ أن عمر رضي الله عنه رؤى بعد موته بثنتي عشرة سنة وهو يمسح جبينه ويقول : كنت في الحساب إلى الآن وقد نوقشت في جدي سقط من جسر مكسور فانكسرت رجله على أني لم أجرم له ولم أصلح الجسر حتى سقط الجدي ولكن غفر الله لي وعفا عني بسبب عصفور اشتريته من صبي فأرسلته.
﴿وَوُضِعَ الْكِتَـابُ﴾ عطف على عرضوا داخل تحت الأمور الهائلة التي أريد تذكيرها بتذكير وقتها وضع صحف الأعمال في إيمان أصحابها وشمائلها أو في الميزان ﴿فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ﴾ قاطبة ﴿مُشْفِقِينَ﴾ خائفين
٢٥٣
﴿مِمَّا فِيهِ﴾ من الذنوب ومن ظهورها لأهل الموقف.
شد سيه ون نامهاى تعزيه
بر مصاصى متن نامه حاشيه
جمله فسق ومعصيت بد يكسرى
همو دار الحرب ر از كافرى
آننان نامه ليد ور وبال
در يمين نايد در آمد در شمال
خود همينجا نامه خودرا ببين
دست ب را شايد آن در يمين
ون نباشى راست مى دان كه بى
هست يدا نعره شير وكبى
كربى باحضرت اوراست باش
تا ببينى دست برد لطفها ش
﴿وَيَقُولُونَ﴾ عند وقوفهم على تضاعيفه نقيراً وقطميراً تعجباً من شأنه يا وَيْلَتَنَا} منادين لهلكتهم التي هلكوا بها من بين الهلكات مستدعين لها ليهلكوا ولا يروا هول ما لاقوه فإن الويل والويلة الهلكة أي : يا هلكتنا احضري وتعالي فهذا أوانك ﴿مَالِ هَـاذَا الْكِتَـابِ﴾.
قال البقاعي : رسم لام الجر وحده إشارة إلى أنهم صاروا من قوة الرعب وشدة الكرب يقفون على بعض الكلمة أي : أيّ شيء له حال كونه ﴿لا يُغَادِرُ﴾ لا يترك ﴿صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً﴾ من الزلل تصدر عن جانيها يا وَيْلَتَنَا} حواها وضبطها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما : الصغيرة التبسم والكبيرة القهقهة.
وعن سعيد بن جبير : الصغيرة المسيس والكبيرة الزنا.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٢


الصفحة التالية
Icon