وفي "التأويلات النجمية" : الصغيرة كل تصرف في شيء بالشهوة النفسانية وإن كان من المناجاة والكبيرة التصرف في الدنيا على حبها وإن كان من حلالها لأن حب الدنيا رأس كل خطيئة انتهى.
وفي الحديث "إياكم ومحقرات الذنوب فإن محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن واد فجاء ذا بعود وجاء ذا بعود حتى طبخوا أخبزتهم" وفي الحديث :"إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجيىء يوم القيامة كأمثال الجبال وكفارتها الصدقة" ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا﴾ في الدنيا من السيآت أو جزاء ما عملوا ﴿حَاضِرًا﴾ مثبتاً في كتابهم.
وفي "التأويلات" : لأنهم كتبوا صالح أعمالهم بقلم أفعالهم في صحائف قلوبهم وسوء أعمالهم في صحائف نفوسهم وقد يوجد عكس ما في هذه الصحائف على صفحات الأرواح نورانياً أو ظلمانياً ﴿وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ فيكتب ما لم يعمل من السيآت أو يزيد في عقابه الملائم لعمله فيكون إظهاراً لمعدلة القلم الأزلي.
وفي "التأويلات" : فإن كان النور غالباً على صفحة روحه فهو من أهل الجنة وإن كانت الظلمة غالبة عليها فهو هالك ومن لا يشوب نوره بالظلمة فهو من أهل الدرجات والقربات ومن أدركته الجذبات وبدلت سيآته بالحسنات وأخرج إلى النور الحقيقي من الظلمات فهو في مقعد صدق عند مليك مقتدر انتهى.
فعليك بالحسنات والكف عن السيآت فإن كل أحد يجد ثمرة شجرة أعماله.
عن عائشة رضي الله عنها أنها كانت جالسة ذات يوم إذ جاءت امرأة قد سترت يدها في كمها فقالت عائشة : مالك لا تخرجين يدك من كمك؟ قالت : لا تسأليني يا أم المؤمنين إنه كان لي أبوان وكان أبي يحب الصدقة وأما أمي فكانت تبغض الصدقة فلم أرها تصدقت بشيء إلا قطعة شحم وثوباً خلقاً فلما ماتا رأيت في المنام قد قامت القيامة ورأيت أمي قائمة بين الخلق واضعة الخلقان على عورتها ورأيت الشحم بيدها وهي تلحسه وتنادي واعطشاه
٢٥٤
ورأيت أبي على شفير الحوض وهو يسقي الماء ولم يكن عند أبي صدقة أحب إليه من سقي الماء فأخذت قدحاً من ماء فسقيت أمي فنوديت من فوق ألا من سقاها شلت يده فاستيقظت وقد شلت يدي، قال الحافظ قدس سره :
دهقان سال خورده ه خوش كفت باسر
اى نور شم من بجز از كشته ندرى
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٢
قال الشيخ سعدي قدس سره :
كنون وقت تخمست اكر رورى
كر اميدوارى كه خر من برى
بشهر قيامت مرو تنكدست
كه وجهى ندارد بغفلت نشست
مكن عمر ضايع بافسوس وحيف
كه فرصت عزيزست والوقت سيف
﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَئِكَةِ﴾ أي : اذكر وقت قولنا لهم ﴿اسْجُدُوا لادَمَ﴾ سجود تحية وتكريم لا سجود عبادة وكان ذلك مشروعاً في الأمم السالفة ثم نسخ بالسلام ﴿فَسَجَدُوا﴾ جميعاً غير الأرواح العالية امتثالاً للأمر وإنما لم يسجد الملائكة العالون لأنهم لم يؤمروا بالسجود وقد سبق في سورة الحجر ﴿إِلا إِبْلِيسَ﴾ فإنه لم يسجد بل أبى واستكبر وكأنه قيل ما باله لم يسجد فقيل :﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أي : كان أصله جنياً خلق من نار السموم ولم يكن من الملائكة وإنما صح الاستثناء المتصل لأنه أمر بالسجود معهم فغلبوا عليه في قوله :﴿فَسَجَدُوا﴾ ثم استثنى كما يستثني الواحد منهم استثناء متصلاً كقولك : خرجوا إلا فلانة لامرأة بين الرجال.
قال في كتاب "التكملة" قيل : إن المراد بقوله :﴿كَانَ مِنَ الْجِنِّ﴾ أي : كان أول الجن لأن الجن منه كما أن آدم من الإنس لأنه أول الإنس.
وقيل : إنه كان بقايا قوم يقال لهم الجن كان الله تعالى قد خلقهم في الأرض قبل آدم فسفكوا الدماء وقاتلتهم الملائكة.
وقيل : إنه كان من قوم خلقهم الله وقال لهم : اسجدوا لآدم فأبوا فبعث الله عليهم ناراً أحرقتهم ثم خلق هؤلاء بعد ذلك فقال لهم : اسجدوا لآدم ففعلوا وأبى إبليس لأنه كان من بقية أولئك الخلق.
قال البغوي : كان اسمه عزازيل بالسريانية وبالعربية الحارث فلما عصى غير اسمه وصورته فقيل : إبليس لأنه أبلس من الرحمة أي : يئس والعياذ بالله تعالى ﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ أي : خرج عن طاعته فالأمر على حقيقته جعل عدم امتثاله للأمر خروجاً عنه ويجوز أن يكون المراد المأمور به وهو السجود والفاء للسببية لا للعطف أي : كونه من الجن سبب فسقه ولو كان ملكاً لم يفسق عن أمر ربه لأن الملك معصوم دون الجن والإنس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥
قال في "التأويلات النجمية" :﴿فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ﴾ وخلع قلادة التقليد عن عنقه ليعلم أن الأصيل لا يخطىء وعند الامتحان يكرم الرجل أو يهان كما أن البعرة تشابه المسك وتعارضه في الصورة فلما امتحنا بالنار تبين المقبول من المردود والمبغوض من المودود، وقال الحافظ قدس سره :
خوش بود اكر محك تجربه آمد بميان
تا سيه روى شود هركه دروغش باشد