﴿أَفَتَتَّخِذُونَهُ﴾ الهمزة للإنكار والتعجب والفاء للتعقيب أي : عقيب عملكم يا بني آدم بصدور الفسق عن إبليس تتخذونه ﴿وَذُرِّيَّتَهُ﴾ أي : أولاده واتباعه جعلوا ذريته مجازاً.
قال الكاشفي :(كويند بمعنى اتباع وتسميه ايشان بذريت ازقبيل مجاز بود واكثر برانند
٢٥٥
كه از زذريت نيست) قال في "القاموس" : ذرأ كجعل خلق والشيء كثره ومنه الذرية مثلثة لنسل الثقلين انتهى وسيأتي الكلام على هذا ﴿أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى﴾ فتستبدلونهم بي فتطيعونهم بدل طاعتي أي ذلك الاتخاذ منكر غاية الإنكار حقيق بأن يتعجب منه ومعنى الاستبدال منهم من قوله من دونه فإن معناه مجاوزين عني إليهم وهو عين الاستبدال ﴿وَهُمْ﴾ أي : والحال أن إبليس وذريته ﴿لَكُمْ عَدُوُّ﴾ أي : أعداء فحقهم أن تعادوهم لا أن توالوهم شبه بالمصادر للموازنة كالقبول ﴿بِئْسَ لِلظَّـالِمِينَ بَدَلا﴾ من الله إبليس وذريته تمييز.
﴿مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ﴾ إشارة إلى غناه تعالى عن خلقه ونفي مشاركتهم في الألوهية أي : ما أحضرت إبليس وذريته ﴿خَلْقَ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ لاعتضد بهم في خلقهما وأشاورهم في تدبير أمرهما حيث خلقتهما قبل خلقهم.
وفيه رد لمن يدعي أن الجن يعلمون الغيب لأنهم لم يحضروا خلق السموات والأرض حتى يطلعوا على مغيباتهم ﴿وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ﴾ ولا أشهدت بعضهم خلق بعضهم كقوله تعالى :﴿وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ﴾ (النساء : ٢٩) ﴿وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ﴾ أي : الشياطين الذي يضلون الناس عن الدين والأصل متخذهم فوضع المظهر موضع المضمر ذماً لهم وتسجيلاً عليهم بالإضلال ﴿عَضُدًا﴾ أعواناً في شأن الخلق وفي شأن من شؤوني حتى يتوهم شركتهم في التولي بناء على الشركة في بعض أحكام الربوبية.
قال في "القاموس" : العضد الناصر والمعين وهم عضدي وأعضادي انتهى.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥
اعلم أن الله تعالى منفرد في الألوهية والكل مخلوق له وقد خلق الملائكة والجن والإنس فباين بينهم في الصورة والأشكال والأحوال.
قال سعيد بن المسيب الملائكة ليسوا بذكور ولا إناث ولا يتوالدون ولا يأكلون ولا يشربون والجن يتوالدون وفيهم ذكور وإناث ويموتون والشياطين ذكور وإناث يتوالدون ولا يموتون بل يخلدون في الدنيا كما خلد فيها إبليس وإبليس هو أبو الجن وقيل : إنه يدخل ذنبه في دبره فيبيض بيضة فتفلق البيضة عن جماعة من الشياطين : قال الإمام السهيلي في كتاب "التعريف والاعلام" سمي من ولد إبليس في الحديث الأقبص دهامة بن الأقبص وسمي منهم بلزون وهو الموكل بالأسواق وأمهم طرطبة ويقال : بل هي حاضنتهم ذكره النقاش باضت ثلاثين بيضة عشراً في المشرق وعشراً في المغرب وعشراً في وسط الأرض وأنه خرج من كل بيضة جنس من الشياطين كالعفاريت والغيلان والقطاربة والجان وأسماؤهم مختلفة وكلهم عدو لبني آدم بنص هذه الآية إلا من آمن منهم انتهى.
قال الكاشفي :(در تبيان آورده كه ون حق سبحانه وتعالى إبليس را برانداز هلوى او يكى مره است كنيت بدو يافته وديكر لا قيس موسوس صلوات و"ولهان" بالتحريك موسوس طهارتست يعني "الولهان شيطان يولع الناس بكثرة استعمال الماء ويضحكهم عند الوضوء" وإمام أحمد غزالي رحمه الله در اربعين آورده كه شيطان را ند فرزنداست وباتفاق زلنبور ازاولاد او صاحب اسواقست كه بدروغ وكم قروشى وخيانت وسوسه ميكند واعول صاحب ابواب زنانست يعني "صاحب الزنى الذي يأمر به ويزينه" وثبر صاحب مصائب كه بثبور ونوحه وشق جيوب ولطم خدود ودعوى الجاهلية ميفرمايد وميسوط صاحب اراجيفست
٢٥٦
يعني :"صاحب الكذب الذي يسمع فيلقى الرجل فيخبر بالخبر فيذهب الرجل إلى القوم فيقول لهم : قد رأيت رجلاً أعرف وجهه ما أدري ما اسمه حدثني بكذا وكذا" وداسم باخورنده طعام كه بسم الله نكفته باشد شركت ميكند).
وفي آكام المرجان داسم هو الذي يدخل مع الرجل وأهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم (ومدهيش موكل علما است كه ايشانرا براهواء مختلفه ميدارد).
ثم في الآيتين إشارات :
منها ما يتعلق بالله تعالى أراد أن يظهر صفة لطفه وصفة قهره وكمال قدرته وحكمته فأظهر صفة لطفه بآدم إذ خلقه من صلصال من حمأ مسنون وأمر ملائكته الذين خلقوا من النور بسجوده من كمال لطفه وجوده وأظهر صفة قهره بإبليس إذ أمره بسجوده لآدم بعد أن كان رئيس الملائكة ومقدمهم ومعلمهم وأشدهم اجتهاداً في العبادة حتى لم يبق في سبع السموات ولا في سبع الأرضين موضع شبر إلا وقد سجدتعالى عليه سجدة حتى امتلأ من العجب بنفسه حتى لم ير أحداً فأبى أن يسجد لآدم استكباراً وقال : أنا خير منه فلعنه الله وطرده إظهاراً للقهر وأظهر كمال قدرته وحكمته بأن بلغ من غاية القدرة والحكمة من خلق من قبضة تراب ظلماني كثيف سفلي إلى مرتبة يسجد له جميع الملائكة المقربين الذين خلقوا من نور علوي لطيف روحاني.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥


الصفحة التالية
Icon