ومنها ما يتعلق بآدم عليه السلام وهو أنه تعالى لما أراد أن يجعله خليفة في الأرض أودع في طينته عند تخميرها بيده أربعين صباحاً سر الخلافة وهو استعداد قبول الفيض الإلهي بلا واسطة وقد اختصه الله وذريته بهذه الكرامة بقوله :﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ﴾ (الإسراء : ٧٠) من بين سائر المخلوقات كما أخبر عليه السلام عن كشف قناع هذا السر بقوله :"إن الله خلق آدم فتجلى فيه" ولهذه الكرامة صار مسجوداً للملائكة المقربين، قال الحافظ قدس سره :
فرشته عشق نداندكه يست قصه مخوان
بخواه جام وكلابى بخاك آدم ريز
ومنها ما يتعلق بالملائكة وهو أنهم لما خلقوا من النور الروحاني العلوي كان من طبعهم الانقياد لأوامر الله تعالى والطاعة والعبودية فلما أمروا بسجود آدم وامتحنوا به وذلك غاية الامتحان لأن السجود أعلى مراتب العبودية والتواضعفإذا امتحن أحد أن يسجد لغير الله فذلك غاية الامتحان للامتثال فلم يتلعثموا في ذلك وسجدوا لآدم بالطوع والرغبة من غير كره وإباء امتثالاً وانقياداً لأوامر الله كما قال :﴿لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ (التحريم : ٦).
ومنها ما يتعلق بإبليس وهو أنه لما خلق للضلالة والغواية والإضلال والإغواء خلق من النار وطبعها الاستعلاء والاستكبار وإن نظمه الله في سلك الملائكة منذ خلقه وكساه كسوة الملائكة وهو قد تشبه بأفعالهم تقليداً لا تحقيقاً حتى عد من جملتهم وذكر في زمرتهم بل زاد عليهم في الاجتهاد والاعتباد بالاعتقاد فاتخذوه رئيساً ومعلماً لما رأوا منه اشتداده في الاجتهاد بالإراءة دون الإرادة فلما امتحن بسجود آدم في جملة الملائكة هبت نكباء النكبة وانخلع عنه كسوة أهل الرغبة والرهبة ليميز الله الخبيث من الطيب فطاشت عنه تلك المخادعات وتلاشت منه تلك المبادرات وعاد الميشوم إلى طبعه وقد تبين الرشد من غيه فسجد الملائكة وأبى إبليس واستكبر من غيه وظهر أنه كان من الجن وأنه طبع كافراً، قال الحافظ قدس سره :
زاهد ايمن مشو از بازى غيرت زنهار
كه ره از صومه ثادير مغان اين همه نيست
٢٥٧
ومنها أن في أولاد آدم من هو في صورة آدم لكنه في صفة إبليس وأنهم شياطين الإنس وإماراتهم أنهم يتخذون إبليس وذريته أولياء من دون الله فيطيعون الشيطان ولا يطيعون الرحمن ويتبعون ذرية الشيطان ولا يتبعون ذرية آدم من الأنبياء والأولياء ولا يفرقون بين الأولياء والأعداء فبجهلهم يظلمون على أنفسهم ويبدلون الله وهو وليهم بالشياطين وهم لهم عدو وأولياء الله تعالى هم الذين لا يبدلون الله تعالى بما سواه ويتخذون ما سواه عدواً كما قال إبراهيم خليل الله ﴿فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّى إِلا رَبَّ الْعَـالَمِينَ﴾ (الشعراء : ٧٧) لأنه رأى صحة الخلة مع الله في صحة العداوة مع ما سواه.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥
ومنها : أن إخباره تعالى بأنه ما أشهد الشياطين خلق السموات والأرض ولا خلق أنفسهم دليل على أنه يشهد بعض أوليائه على ما لم يشهد أعداءه فيبصر بنوره الأزلي ابتداء تعلق قدرته ببعض الأشياء المعدومة وكيفية إخراجها من العدم إلى الوجود وأما قول أهل النظر لا يبحث عن كيفية وجود الباري تعالى وكيفية تعلق القدرة بالمعدومات وكيفية العذاب بعد الموت ونحو ذلك فلا ينافيه إذ المستبعد عند العقل الجزئي مستقرب عند الكشف الكلي وكلامنا مع أهل الكشف لا مع غيره، قال الصائب :
سخن عشق باخرد كفتن
بررك مرده نيشتر زدنست
وفي "المثنوي" :
اى كه برد عقلي هديه با اله
عقل اينجا كمترست ازخاك راه
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٥
﴿وَيَوْمَ يَقُولُ﴾ أي : يوم يقول الله للكفار توبيخاً وتعجيزاً وهو يوم القيامة وقال بعضهم : يقول على ألسنة الملائكة : يقول الفقير : الأظهر هو الأول لأنه قد ثبت أن الله تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق مسلمهم وكافرهم بصور شتى حتى يرونه بحسب ما اعتقدوه في هذه الدار فلا يبعد كلامه معهم أيضاً لأنه كلام بالعيب والتوبيخ لا بالرضى والتشريف كما كلم إبليس بعد اللعن والطرد على ما سبق في سورة الحجر ونحوها ﴿نَادُوا شُرَكَآءِىَ﴾ أضافهم إليه على زعمهم تهكماً بهم وتقريعاً لهم ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ﴾ ادعيتم أنهم شفعاؤكم ليشفعوا لكم والمراد بهم كل من عبد من دونه تعالى ﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ أي : نادوهم للإعانة ذكر كيفية دعوتهم في آية أخرى ﴿إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا﴾ (إبراهيم : ٢١) ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ فلم يغيثوهم أي : لم يدفعوا عنهم ضراً ولا أوصلوا إليهم نفعاً إذ لا إمكان لذلك فهو لا ينافي إجابتهم صورة ولفظاً كما قال حكاية عن الأصنام أنها تقول :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٨


الصفحة التالية
Icon