﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ (القصص : ٦٣).
وفيه إشارة إلى أن امتثال أوامره ونواهيه ينفع العبد إذا كان في الدنيا قبل موته وبثمره في الآخرة فأما إذا كان في الآخرة فلا ينفعه الإيمان والأعمال فإن قوله :﴿نَادُوا شُرَكَآءِىَ﴾ أمر من الله تعالى وقد امتثلوا أمره بقوله :﴿فَدَعَوْهُمْ﴾ فلم ينفعهم الامتثال لأن الشركاء ﴿فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ ﴿وَجَعَلْنَا بَيْنَهُم﴾ بين الداعين والمدعوين ﴿مَّوْبِقًا﴾ اسم مكان أو مصدر من وبق وبوقاً كوثب وثوباً أو وبق وبقا كفرح فرحاً إذا هلك مهلكاً يشتركون فيه وهو النار أو عداوة هي في الشدة نفس الهلاك.
وقال الفرآء :﴿وَجَعَلْنَا﴾ تواصلكم في الدنيا هلاكاً في الآخرة فالبين على هذا القول التواصل كقوله تعالى :﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ (الأنعام : ٩٤) على قراءة من قرأ بالرفع ومفعول
٢٥٨
أول لجعلنا وعلى الوجه الأول مفعول ثان.
قال في "القاموس" : الموبق كمجلس المهلك وواد في جهنم وكل شيء حال بين الشيئين انتهى فالمعنى على الثاني بالفارسية (وادى ازوادهاى دوزخ يدا كنم ميان ايشان كه مهلكه عظيم باشد وهمه ايشانرا دران معذب سازيم).
يقول الفقير الظاهر أن المعنى على الثالث أي : جعلنا بينهم برزخاً يفصل أحدهما على الآخر فلا يشفع مثل الملائكة وعيسى وعزير وتبرأ غيرهم وهو لا ينافي الاجتماع.
والاشتراك في النار بمن قضي له الدخول كما لا يخفى.
﴿وَرَءَا الْمُجْرِمُونَ النَّارَ﴾ حين أمروا بالسوق إليها.
قال الكاشفي :(وبه بيند مشركان آتش دوزخ را از هل ساله را) ﴿فَظَنُّوا﴾ فأيقنوا ﴿أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا﴾ مخالطوها واقعون فيها فإن المخالطة إذا قويت سميت مواقعة.
قال الإمام : والأقرب أنهم يرون النار من بعيد فيظنون أنهم مواقعوها مع الرؤية من غير مهلة لشدة ما يسمعون من تغيظها وزفيرها كقوله تعالى :﴿إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾ (الفرقان : ١٢) والمكان البعيد مسيرة خمسمائة سنة ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ انصرافاً أو مكاناً ينصرفون إليه.
قال الكاشفي :(مصرفا مكانى باز كردند بد آن يا كريز كاهى) لأنها أحاطت بهم من كل جانب.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا﴾ أي : أقسم قسماً لقد كررنا وأدرنا على وجوه كثيرة من النظم ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِى هَـاذَا﴾ لمصلحتهم ومنفعتهم ﴿مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ كمثل الرجلين المذكورين ومثل الحياة الدنيا ليتذكروا ويتعظوا أو من كل معنى داع إلى الإيمان هو كالمثل في غرابته وحسنه.
قال الكاشفي :(ازهر مثل بران محتاجند از قصص كذشته كه سبب عبرت كردد ودلائل قدرت كامله كه موجب ازدياد بصيرت شود) :
حق تعالى بمحق فضل عميم
در كتاب كريم وحكم قديم
آنه مر جمله را بكار آيد
كفته است آننانكه مى آيد
﴿وَكَانَ الانسَـانُ﴾ جنس الإنسان بحسب جبلته ﴿أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلا﴾ جدلاً تمييز أي : أكثر الأشياء التي يتأتى منها الجدل كالجن والملك أي : جدله أكثر من جدل كل مجادل وهو ههنا شدة الخصومة بالباطل لاقتضاء خصوصية المقام وإلا فالجدل لا يلزم أن يكون بالباطل قال تعالى :﴿وَجَـادِلْهُم بِالَّتِى هِىَ أَحْسَنُ﴾ وهو من الجدل الذي هو الفتل والمجادلة الملاواة لأن كلاً من المجادلين يلتوي على صاحبه وفي الحديث "ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل" رواه أبو أمامة كما في "تفسير أبي الليث".
قال في "التأويلات النجمية" من طبيعة الإنسان المجادلة والمخاصمة وبها يقطعون الطريق على أنفسهم.
فتارة مع الأنبياء يجادلون لا يقبلون بالنبوة والرسالة حتى يقاتلونهم.
وتارة يجادلون في الكتب المنزلة ويقولون ما أنزل الله على بشر من شيء.
وتارة يجادلون في محاكماتها.
وتارة يجادلون في متشابهاتها.
وتارة يجادلون في ناسمها ومنسوخها.
وتارة يجادلون في تفسيرها وتأويلها.
وتارة يجادلون في أسباب نزولها.
وتارة يجادلون في قراءتها.
وتارة يجادلون في قدمها وحدوثها على هذا حتى لم يفرغوا من المجادلة إلى المجاهدة ومن المخاصمة إلى المعاملة ومن المنازعة إلى المطاوعة ومن المناظرة إلى المواصلة فلهذا قال تعالى :﴿وَكَانَ الانسَـانُ أَكْثَرَ شَىءٍ جَدَلا﴾ ومن هذا عالجهم بقوله :﴿قُلِ اللَّه ثُمَّ ذَرْهُمْ﴾ (الأنعام : ٩١) الآية ومن كلمات مولانا قدس سره :
٢٥٩
ماراه ازين قصه كه كاو آمد وخر رفت
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٨
اين وقت عزيزست ازين عربده بازآى