فعلى العاقل أن يشتغل بنفسه ويترك المراء والجدل فإن مرجعه هو النقيض والتمزيق للغير وهو من مقتضى السبعية وفي الحديث :"لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان محقاً" فإذا لزم ترك الجدال وهو محق فكيف وهو مبطل أعاذنا الله تعالى وإياكم منه بفضله وجعلنا من المتكلمين بالخير والمعرضين عن لغو الغير قال تعالى :﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾ (الفرقان : ٦٣) الآية وقال :﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَـاهِلُونَ قَالُوا سَلَـامًا﴾ (الفرقان : ٦٣).
﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ﴾ أي : لم يمنع أهل مكة من ﴿أَن يُؤْمِنُوا﴾ بالله تعالى ويترك الشرك الذي هم عليه ﴿إِذْ جَآءَهُمُ الْهُدَى﴾ وهو الرسول الكريم الداعي والقرآن العظيم الهادي من أن ﴿وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ﴾ من أنواع الذنوب ﴿إِلا﴾ انتظار ﴿أَن تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الاوَّلِينَ﴾ أي : سنة الله وعادته في الأمم الماضية وهو الاستئصال لما كان تعنتهم مفضياً إليه جعلوا كأنهم منتظرون له ﴿أَوْ﴾ انتظار أن ﴿يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ﴾ عذاب الآخرة حال كونه ﴿قُبُلا﴾ أنواعاً جمع قبيل أو عياناً لهم أي : معايناً.
وبالفارسية (روى باروى).
قال في "الجلالين" يعني القتل يوم بدر.
وقال في "الأسئلة المقحمة" : كيف وعدهم في هذه الآية بإحدى العقوبتين إن لم يؤمنوا ولم يفعل ذلك بمن لم يؤمنوا منهم الجواب إنما وعدهم بذلك إن تركوا الإيمان كلهم فقد آمن أكثرهم يوم فتح مكة.
﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ﴾ إلى الأمم ملتبسين بحال من الأحوال ﴿إِلا مُبَشِّرِينَ﴾ للمؤمنين والمطيعين بالثواب والدرجات ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ للكافرين والعاصين بالعقاب والدركات فإن طريق الوصول إلى الأول والحذر عن الثاني مما لا يستقل به العقل فكان من لطف الله ورحمته أن أرسل الرسل لبيان ذلك.
يقول الفقير : إشارة إلى أن العلماء الذين هم بمنزلة أنبياء بني إسرائيل رحمة الله من الله تعالى أيضاً إذ ببيانهم يضمحل ظلم الشبه وينحل عقد الشكوك وبإرشادهم يحصل كمال الاهتداء ويتم أمر السلوك ﴿وَيُجَـادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ أي : يجادلون الرسل المبشرين والمنذرين ﴿بِالْبَـاطِلِ﴾ (به بيهوده) حيث يقولون : ما أنتم إلا بشر مثلنا ولو شاء الله لأنزل ملائكة ويقترحون آيات بعد ظهور المعجزات تعنتاً ﴿لِيُدْحِضُوا﴾ ليزيلوا ﴿بِهِ﴾ بالجدال ﴿الْحَقُّ﴾ الذي مع الرسل عن مقره ومركزه ويبطلوه من ادحاض القدم وهو إزلاقها عن موطنها والدحض الزلق.
ومن بلاغات الزمخشري حجج الموحدين لا تدحض بشبه المشبه كيف يضع ما رفع إبراهيم أبرهه، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٨
هركه بر شمع خدا آرد فو
شمع كى ميرد بسوزد وزاو
﴿ذَالِكَ جَزَآؤُهُمْ﴾ الدالة على الوحدة والقدرة ونحوهما ﴿وَمَآ أُنْذِرُوا﴾ خوفوا به من العذاب ﴿هُزُوًا﴾ سخرية يعني موضع استهزاء فيكون من باب الوصف بالمصدر مبالغة.
﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ استفهام على سبيل التوبيخ أي : من أشد ظلماً ﴿مِمَّن ذُكِّرَ بآيات رَبِّهِ﴾ أي : وعظ بالقرآن الكريم ﴿فَأَعْرَضَ عَنْهَا﴾ لم يتدبرها ولم يتفكرها ﴿وَنَسِىَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ﴾ من الكفر والمعاصي ولم يتفكر في عاقبتها ولم ينظر في أن المسيىء والمحسن لابدلهما من جزاء ولما كان الإنسان يباشر أكثر أعماله بيديه غلب الأعمال باليدين على الأعمال التي تباشر
٢٦٠
بغيرهما حتى قيل في عمل القلب هو مما عملت يداك وحتى قيل لمن لا يدين له يداك.
قال بعضهم : أحق الناس تسمية بالظلم من يرى الآيات فلا يعتبر بها ويرى طريق الخير فيعرض عنها ويرى مواقع الشر فيتبعها ولا يجتنب عنها ﴿إِنَّا جَعَلْنَا﴾ إهمالهم كما في "تفسير الشيخ" ﴿عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية جمع كنان وهو تعليل لإعراضهم ونسيانهم بأنهم مطبوع على قلوبهم ﴿أَن يَفْقَهُوهُ﴾ كراهة أن يقفوا على كنه الآيات وتوحيد الضمير باعتبار القرآن جعلنا ﴿وَفِى ءَاذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ ثقلاً وصمماً يمنعهم عن استماعه.
وفيه إشارة إلى أن أهل اللغو والهذيان لا يصيخون إلى القرآن، قال الكمال الخجندي قدس سره :
دل از شنيدن قرآن بكير درهمه وقت
و باطلان ز كلام حقت ملولى يست


الصفحة التالية
Icon