﴿وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى﴾ أي : إلى طريق الفلاح وهو دين الإسلام ﴿فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا﴾ أي : فلن يكون منهم اهتداء البتة مدة التكليف كلها لأنه محال منهم.
قال الكاشفي :(مراد جمعي اند از كفار مكه كه علم حق بعدم ايمان ايشان متعلق بود) وإن جواب عن سؤال النبي صلى الله عليه وسلّم وجزاء للشرط أما كونه جواباً فلان قوله :﴿إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ في معنى لا تدعهم إلى الهدى ثم نزل حرصه عليه السلام على إسلامهم منزلة قوله مالي لا أدعوهم فأجيب بقوله :﴿وَإِن تَدْعُهُمْ﴾ الآية وأما كونه جزاء فلأنه على انتفاء الاهتداء لدعوة الرسول على معنى أنهم جعلوا ما هو سبب لوجود الاهتداء سبباً لانتفائه بالإعراض عن دعوته.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٥٨
﴿وَرَبُّكَ﴾ مبتدأ خبره قوله ﴿الْغَفُورُ﴾ البليغ في المغفرة وهي صيانة العبد عما استحقه من العقاب للتجاوز عن ذنوبه من الغفر وهو إلباس الشيء ما يصونه من الدنس ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ الموصوف بالرحمة وهي الأنعام على الخلق خبر بعد خبر وإيراد المغفرة على صيغة المبالغة دون الرحمة للتنبيه على كثرة الذنوب وأن المغفرة ترك المضار وهو سبحانه قادر على ترك ما لا يتناهى من العذاب وأما الرحمة فهي فعل وإيجاد ولا يدخل تحت الوجود إلا ما يتناهى وتقديم الوصف الأول لأن التخلية قبل التحلية ﴿لَوْ يُؤَاخِذُهُم﴾ لو يريد مؤاخذتهم ﴿بِمَا كَسَبُوا﴾ من الذنوب ﴿لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ﴾ في الدنيا من غير إمهال لاستيجاب أعمالهم لذلك ولكنه لم يعجل ولم يؤاخذ بغتة ﴿بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ﴾ بالفارسية (زمان وعد) فهو اسم زمان والمراد يوم بدر أو يوم القيامة فيعذبون فيه و﴿لَّن يَجِدُوا﴾ ألبتة حين مجيىء الموعد ﴿مِن دُونِهِ﴾ من غيره تعالى ﴿مَوْاـاِلا﴾ منجي وملجأ يقال وأل أي : نجا ووأل إليه أي : لجأ إليه وقيل من دون العذاب.
قال سعدي المفتي : هو أولى وفيه دلالة على أبلغ وجه على أن لا ملجأ لهم ولا منجى فإن من يكون ملجأه العذاب كيف يرى وجه الخلاص والنجاة انتهى.
ويجوز أن يكون المعنى لن يجدوا عند حلول الموعد موئلاً بالفارسية (ناهى وكريز كاهى) وهو اللائح والله أعلم.
﴿وَتِلْكَ الْقُرَى﴾ أي : قرى عاد وثمود وأضرابهما وهي مبتدأ على تقدير المضاف أي : وأهل تلك القرى خبره قوله تعالى :﴿أَهْلَكْنَـاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾ أي : وقت ظلمهم مثل ظلم أهل مكة بالتكذيب والجدال وأنواع المعاصي ولما إما حرف كما قال ابن عصفور وإما ظرف استعمل للتعليل وليس المراد به الوقت المعين الذي عملوا فيه الظلم بل زمان من ابتداء الظلم
٢٦١
إلى آخره ﴿وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم﴾ أي : عيناً لهلاكهم لأن المهلك بفتح اللام وكسرها الهلاك ﴿مَّوْعِدًا﴾ ممتداً لا يتأخرون عنه (س را قريش عبرت نكيرند وازشرك ونافرمانى دست باز نمى دارند "السعيد من وعظ بغيره".
ورشيد الدين وطواط در ترجمه اين كلام سعادت فرموده) :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦١
نيكبخت آن كسى بودكه دلش
آنه نيكو تراست بذيرد
ديكرانرا وند داده شود
او ازان ند بهره بر كيرد
وفي الآيات إشارات :
منها : أن أسباب الهداية وإن اجتمعت بالكلية لا يهتدي بها الناس ولا يؤمنون إلا بجذبات العنايات كما قال عليه السلام :"لولا الله ما اهتدينا ولا تصدفنا ولا صلينا" قال المولى الجامي :
سالكان بى كشش دوست بجايى نرسند
سالها كره درين را تك ووى كنند
فالاهتداء بهداية الله تعالى وبالسيف كما قال عليه السلام :"أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله" وكما قال :"أنا نبي السيف ونبي الملحمة".
ومنها أن أهل الباطل يرون الحق باطلاً والباطل حقاً وذلك من عمي قلوبهم وسخافة عقولهم فيجادلون الأنبياء جهلاً منهم وضلالة ويسعون في إبطال الحق وأما أهل الحق فينقادون للأنبياء والأولياء ويستسلمون لهم من غير عناد وجدال وذلك لأنهم ينظرون بنور الله فيرون الحق حقاً ويتبعونه ويرون الباطل باطلاً ويجتنبونه لا جرم أنهم يتخذون آيات الله جداً لا هزواً فيأتمرون بما أمروا به وينتهون عما نهوا عنه.