لا تطلبوا الأمر قبل حينه فاطمأنوا وجلس النبي عليه السلام بعد قيامه وليس في هذه الرواية استعجال المؤمنين بل خوفهم وظنهم ثم إن الاستعجال بها لا يوصف به المؤمنون قال الله تعالى :﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ (الشورى : ١٨) بل الظاهر أنهم لما سمعوا أول الآية اضطربوا لظن أنه وقع ثم لما سمعوا خطاب الكفار بقوله فلا تستعجلوه اطمأنوا كما في "حواشي" سعدى المفتي.
ولما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلّم "بعثت أنا والساعة كهاتين" يعني : إصبعيه المسبحة والوسطى معناه أن ما بيني وبين الساعة بالنسبة إلى ما مضى من الزمان مقدار فضل الوسطى على المسبحة شبه القرب الزماني بالقرب المساحي لتصوير غاية قرب الساعة وفي حديث آخر :"مثلي ومثل الساعة كفرسي رهان".
قال في "القاموس" : كفرسي رهان يضرب للاثنين يستبقان إلى غاية فيستويان وهذا التشبيه في الابتداء لأن الغاية تجلي عن السابق لا محالة.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢
والإشارة إلى أن قوله تعالى :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ كلام قديم كان الله في الأزل به متكلماً والمخاطبون به بعد في العدم محبوسون وهم طبقات ثلاث منهم الغافلون والعاقلون والعاشقون فكان الخطاب مع الغافلين بالعتاب إذا كانوا مشتاقين إلى الدنيا وزخارفها ولذاتها وشهواتها وهم أصحاب النفوس :
نفس اكره زير كست وخردة دان
قبله اش دنياست اورا مرده دان
والخطاب مع العاقلين بوعد الثواب إذ كانوا مشتاقين إلى الطاعات والعبادات والأعمال الصالحات التي تبلغهم إلى الجنة ونعيمها الباقية وهم أرباب العقول :
نصيب ماست بهشت أي خداشناس برو
كه مستحق كرامت كنا هكارانند
والخطاب مع العاشقين بوصلة رب الأرباب إذ كانوا مشتاقين إلى مشاهدة جمال ذي الجلال :
ه سود ازروزن جنت اكر شيرين معاذ الله
ذكوى خود درى در روضة فرهاد نكشايد
فاستعجل أرواح كل طبقة منهم للخروج من العدم إلى الوجود لنيل المقصود وطلب المفقود فتكلم الله في الأزل بقوله :﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ﴾ أي : سيأتي أمر الله للخروج من العدم لإصابة ما كتب لكل طبقة منكم في القسمة الأزلية ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ فإنه لا يفوتكم يدل عليه قوله تعالى :﴿وَءَاتَـاـاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ (إبراهيم : ٣٤) أي : في العدم وهو يسمع خفيات أسراركم ويبصر خفيات سرائركم المعدومة.
﴿سُبْحَـانَه وَتَعَـالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي : هو منزه في ذاته ومتعال في صفاته أن يكون له شريك يعمل عمله أو شبيه يكون بدله :
قهار بي منازع وغفار بي ملال
ديان بي معادن وسلطان بي ساه
باغير أو أضافت شاهي بود نانك
بريك دو وب اره زشطرنج تام شاه
﴿يُنَزِّلُ﴾ الله تعالى ﴿الْمَلَائكَةُ﴾ أي : جبريل لأن الواحد يسمى بالجمع إذا كان رئيساً تعظيماً لشأنه ورفعاً لقدره أو هو ومن معه من حفظة الوحي كما قال السهيلي في كتاب "التعريف والإعلام" ﴿يُنَزِّلُ الملائكة﴾ يعني ملائكة الوحي وهم جبريل وقال الملائكة بالجمع لأنه قد ينزل بالوحي مع غيره.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢
ـ وروي ـ عن عامر الشعبي بإسناد صحيح قال : وكل إسرافيل بمحمد صلى الله عليه وسلّم ثلاث.


الصفحة التالية
Icon