سنين وكان يأتيه بالكلمة والكلمتين ثم نزل عليه جبريل بالقرآن والحكمة فى توكيل اسرافيل به انه الموكل بالصور الذى فيه هلاك الخلق وقيام الساعة ونبوته ﷺ مؤذنة بقرب الساعة وانقطاع الوحى وفى صحيح مسلم انه نزل عليه بسورة الحمد اى فاتحة الكتاب ملك لم ينزل بها جبريل كما قال بعضهم وهو بشيع.
وذكرابن ابى حيثمة خالد بن سنان العبسى وذكر نبوته وانه وكل به من الملائكة مالك خازن النار وكان من اعلام نبوته ان نار يقال لها نار الحدثان كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكلهم والزرع والضرع ولا يستطيعون ردها فردها خالد بن سنان بعصاه حتى رجعت هاربة منه الى المارة التي خرجت منها فلم تخرج بعد وفى الحديث وكان نبيا ضيعه قومه يعنى خالد بن سنان اى ضيعوا وصية نبيهم حيث لم يبلغوه مراده من اخبار احوال القبر وقوله عليه السلام انى اولى الناس بعيسى بن مريم فانه ليس بينى وبينه نبى اى نبى داع للخلق الى الله وشرع وسبق تفصيل اقصة فى سورة المائدة عنه قوله تعالى يا اأَهْلَ الْكِتَـابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا} الآية فلنظر هناك.
وذلك ان ملكا يقال له زياقيل كان ينزل على ذى الرنين وذلك الملك هو الذى يوطى الارض يوم القيامة ويقبضها فتقع اقدام الخلائق كلهم بالساهرة فيما ذكره بعض اهل العلم وهذا مشاكل لتوكيله بذى القرنين الذى قطع مشارق الارض ومغاربها كما ان قصة خالج بن سنان وتسخير النار له مشاكلة لحال الملك الموكل به كذا فى كتاب التعريف واسئلة الحكم ﴿بِالرُّوحِ﴾ اى بالوحى الذى من جملته القرآن على نهج الاستعارة فانه يحيى القلوب الميتة بالجهل او يقوم فى الدين مقام الروح فى الجسد يعنى ان الروح استعارة تحقيقية عن الوحى ووجه التسمية احد هذين الوجهين والقرينة ابدال ان انذروا من الروح وقال بعضهم الباء يمعنى مع اى ينزل الملائكة مع جبريل قال الكاشفي [درتبيان ميكويد كه هيج ملكى فرونيايد الا كه روح با اوست ورقيب بروجنانجه بر آدميان حفظه مبياشند] ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ بيان للروح الذي اريد به الوحى فانه امر بالخير وبعث عليه وايضا هو من عالم الامر المقابل لعالم الخلق وان كان جبريل من عالم الخلق او هو متعلق بينزل ومن للسببية كالباء مثلها فى قوله تعالى
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢
﴿مِّمَّا خَطِياـاَـاتِهِمْ﴾ اى ينزلهم بالروح بسبب امره واجل ارادته ﴿عَلَى مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ ان ينزلهم به عليهم لاختصاصهم بصفات تؤهلهم لذلك ﴿أَنْ أَنذِرُوا﴾ يدل من الروح اى ينزلهم ملتبسين بان انذروا اى بهذا القول والمخاطبون به الانبياء الذين نزلت الملائكة عليهم والآمر هو الله والملائكة نقلة للامر كما يشعر به الباء فى المبدل منه وان مخففة من الثقيلة وضمير الشأن الذى هو اسمها محذوف اى ينزلهم ملتبسين بان الشأن اقول لكم انذروا والانذار الاعلام خلا أنه مختص باعلام المحذور من نذر بالشئ كفرح علمه فحذره وانذره بالامر انذارا اعلمه وحذره وخوفه فى ابلاغه كذا فى القاموس اى اعملوا الناس ايها الانبياء ﴿أَنَّهُ﴾ اى الشأن ﴿لا إله إِلا أَنَا﴾ [كن نيست خداى مستحق عبادت مكر من كه آفريننده وروزى دهنده همه ام] وانباؤه عن المحذور ليس لذاته بل من حيث اتصاف المنذرين بما يضاده من الاشراك وذلك كاف في كون اعلامه انذارا كما قال سعدى المتفى فى حواشيه التخويف بلا اله الا انا من حيث انهم كانوا يثبتون له تعالى ما لا يليق لذاته الكريمة من الشركاء
مرا بندكي كن كه دارا منم
توا از بندكاني ومولامنم
وفي الآية دلالة على أن الملائكة وسائط بين الله وبين رسله وأنبيائه في إبلاغ كتبه ورسالاته وأنهم أينزلون بالوحي على بعضهم دفعة في وقت واحد كما نزلوا بالتوراة والإنجيل والزبور على موسى وعيسى وداود والدال عليه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وينزل من أنزل وعلى بعضهم منجماً موزعاً على حسب المصالح وكفاء الحوادث كما نزلوا بالقرآن منجماً في عشرين سنة أو في ثلاث وعشرين على ما يدل عليه قراءة الباقين لأن في التنزيل دلالة على التدرج والتكثر والإنزال بشموله التدريجي والدفعي أعم منه وأنه ليس ذلك النزول بالوحي جملة واحدة أو متفرقاً إلا بأمر الله وعلى ما يراه خيراً وصواباً وأن النبوة موهبة الله ورحمته يختص بها من يشاء من عباده وأن المقصود الأصلي في ذلك إعلامهم الناس بتوحيد الله تعالى وتقواه في جميع ما أمر به ونهى عنه والأول هو منتهى كمال القوة العلمية والثاني هو أقصى كمالات القوة العلمية.
قال في "بحر العلوم" واتقاء الله باجتناب الكفر والمعاصي وسائر القبائح يشمل رعاية حقوقها بين الناس.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢


الصفحة التالية
Icon