﴿لا أَبْرَحُ﴾ من برح الناقص كزال يزال أي : لا أزال أسير فحذف الخبر اعتماداً على قرينة الحال إذ كان ذلك عند التوجه إلى السفر ويدل عليه أيضاً ذكر السفر في قوله :﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا﴾ فقول سعدي المفتي : لا دلالة في نظم القرآن على هذا ولعله علم من الأثر أو من أخبار المؤرخين ذهول عما بعد الآية ﴿حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ﴾ هو ملتقى بحر فارس والروم مما يلي المشرق وهو المكان الذي وعد الله موسى بلقاء الخضر فيه.
قال سعدي المفتي بحرا فارس والروم إنما يلتقيان في المحيط على ما سيجيء في سورة الرحمن أعني المحيط الغربي فإن الالتقاء هناك كما لا يخفى على من يعرف وضع البحار فالمراد بملتقاهما هنا موضع يقرب التقاؤهما فيه مما يلي المشرق ويعطي لما يقرب من الشيء حكم ذلك الشيء ويعبر به عنه انتهى.
وفيه إشارة : إلى أن موسى والخضر عليهما السلام بحران لكثرة علمهما أحدهما وهو موسى بحر الظاهر والباطن والغالب عليه الظاهر على الشريعة والآخر وهو الخضر بحرهما والغالب عليه الباطن أي : الحقيقة إذ تتفاوت الأنبياء عليهم اسلام بحسب غلبة الجمال أو الجلال على نشأتهم وسيأتي التحقيق إن شاء الله تعالى فملتقاهما إذا المكان الذي يتفق اجتماعهما فيه لا موضع معين ﴿أَوْ أَمْضِىَ﴾ من مضى في الأمر بمعنى نفذ وأمضاه أنفذه
٢٦٣
﴿حُقُبًا﴾ هو بضم القاف وسكونه ثمانون سنة.
والمعنى أسير زماناً طويلاً أتيقن معه فوات المطلب يعني حتى يقع إما بلوغ المجمع أو مضي الحقب.
وفي بعض التفاسير : أسيرُ دهراً طويلاً حتى أجد هذا العالم.
قال الكاشفي :(موسى فرمود كه مدام ميروم تابرسم بمنزل او ياميروم زمان دراز كه هشتاد سال باشد يعني بهي وجهي روى ازسفر نمى تابم تا اورا بيابم) :
دست از طلب ندارم تاكام من بر آيد†
وفي "المثنوي" :
كر كران وكر شتابنده بود
آنكه جو ينده است يا بنده بود
در طلب زن دائماً توهردو دست
كه طلب در راه نيكو رهبرست
قال الإمام في تفسيره : هذا إخبار من موسى بأنه وطن نفسه على تحمل التعب الشديد والعناء العظيم في السفر لأجل طلب العلم وذلك تنبيه على أن المتعلم لو سار من المشرق إلى المغرب لطلب مسألة واحدة لحق له ذلك انتهى.
قال في "روضة الخطيب" رجل جاء من المدينة إلى مصر لحديث واحد ولذا لم يعد أحد كاملاً إلا بعد رحلته ولا وصل مقصده إلا بعد هجرته.
وقالوا : كل من لم يكن له أستاذ يصله بسلسلة الاتباع ويكشف عن قلبه القناع فهو في هذا الشأن لقيط لا أب له دعى لا نسب له انتهى.
ومن كلام أبي يزيد البسطامي قدس سره : من لم يكن له شيخ فشيخه الشيطان، وفي "المثنوي" :
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٢
ير را بكزين كه بى ير اين سفر
هست بس رآفت وخوف وخطر
ون كرفتى ير هين تسليم شو
همو موسى زير حكم خضر رو
قال في "التأويلات النجمية" : في الآية إشارات :
منها : أن شرط المسافر أن يطلب الرفيق ثم يأخذ الطريق.
ومنها : أن من شرط الرفيقين أن يكون أحدهما أميراً والثاني مأموراً له ومتابعاً.
ومنها : أن يعلم الرفيق عزيمته ومقصده ويخبر عن مدة مكثه في سفره ليكون الرفيق واقفاً على أحواله فإن كان موافقاً له يرافقه في ذلك.
ومنها : أن من شرط الطالب الصادق أن يكون نيته في طلب شيخ يقتدي به أن لا يبرح حتى يبلغ مقصوده ويظفر به فإن طلب الشيخ طلب الحق تعالى على الحقيقة انتهى كلامه قدس سره.
﴿فَلَمَّا بَلَغَا﴾ قال الكاشفي :(موسى عليه السلام فرمودكه اي يوشع توبامن موافقت نماى در طلب اين بنده صالح يوشع فرمود آرى من بتو موافقم ورفاقت تو مغتنم مى شمارم :
خوشست آوار كى آنرا كه همراهى نين باشد†
س يوشع عليه السلام تهى ندان وماهى برداشته باتفاق موسى روانه شد) والفاء فصيحة أي : فذهب موسى ويوشع يمشيان فلما بلغا ﴿مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا﴾ بينهما ظرف أضيف له اتساعاً فالمعنى مكاناً يكاد يلتقي وسط ما امتد من البحرين طولاً.
قال الكاشفي :(بمجمع كه ميان دو درياست آنجا برصحره بركنار شمه حيات بود نشستند موسى عليه السلام درخواب رفته بود ويوشع دران شمه وضو ساخت وقطره برآن ماهى بريان كيد في الحال زنده شد روى بدريا نهاد ويوشع متحيرشد وموسى ازخواب در آمده تفقد حال
٢٦٤


الصفحة التالية
Icon