يوشع وماهى ثنموده روى براه نهاد وازغايت تعجيل سفر) ﴿نَسِيَا حُوتَهُمَا﴾ الذي جعل فقدانه أمارة وجدان المطلوب أي : نسي موسى تذكر الحوت لصاحبه وصاحبه نسي الأخبار بأمره فلا يخالفه ما في حديث الصحيحين من إسناد النسيان إلى صاحبه.
وفي "الأسئلة المقحمة" : كانا جميعاً قد زوداه لسفرهما فجاز إضافة ذلك إليهما وإن كان الناسي أحدهما وهو يوشع يقال : خرج القوم وحملوا معهم الزاد وإنما حمله بعضهم ﴿فَاتَّخَذَ﴾ الحوت.
إن قلت كيف أتى بالفاء وذهاب الحوت مقدم على النسيان؟ قلت : الفاء فصيحة ولا يلزم أن يكون المعطوف عليه الذي يفصح عنه الفاء معطوفاً على نسيا بالفاء بل بالواو والتقدير وحيى الحوت فسقط في البحر فاتخذ ﴿سَبِيلَهُ﴾ أي : طريق الحوت ﴿فِى الْبَحْرِ سَرَبًا﴾ مفعول ثان لاتخذ وفي البحر حال منه أي : مسلكاً كالسرب وهو بيت في الأرض وثقب تحتها وهو خلاف النفق لأنه إذا لم يكن له منفذ يقال له سرب وإذا كان له منفذ يقال له نفق وذلك أن الله تعالى أمسك جرية الماء على الحوت فصار كالطاق عليه وهو ما عقد من أعلى البناء وبقي ما تحته خالياً يعني أنه إنجاب الماء عن مسلك الحوت فصار كوة لم تلتئم هكذا فسر النبي صلى الله عليه وسلّم هذا المقام كما في حديث الصحيحين.
وبالفارسية (سربا مثل سردابه كه دران توان رفت هرجا كه ما هى بريان ميرفت آب بالاى أو مرتفع مى ايستاد در زمين خشك ميكشت) فلا وجه لقول بعض المفسرين كالقاضي ومن يتبعه سرباً أي : مسلكاً يسلك فيه ويذهب من قوله :﴿وَسَارِبُا بِالنَّهَارِ﴾ وهو الذاهب على وجهه في الأرض.
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿فَلَمَّا جَاوَزَا﴾ أي : مجمع البحرين الذي جعل موعداً للملاقاة أي : انطلقا بقية يومهما وليلتهما حتى إذا كان الغد ألقي على موسى الجوع ليتذكر الحوت ويرجع إلى مطلبه فعند ذلك ﴿قَالَ لِفَتَـاـاهُ ءَاتِنَا غَدَآءَنَا﴾ ما نتغدى به وهو الحوت كما ينبىء عنه الجواب والغداء بالفتح هو ما يعد للأكل أول النهار والعشاء ما يعدله آخره ﴿لَقَدْ لَقِينَا مِن سَفَرِنَا هَـاذَا﴾ أي : بالله لقد لقينا من هذا السفر الذي سرناه بعد مجاوزة مجمع البحرين ﴿نَصَبًا﴾ تعباً وإعياء.
قال النووي : إنما لحقه النَّصَب والجوع ليطلب موسى الغداء فيتذكر به يوشع الحوت وفي الحديث "لم يجد موسى النصب حتى جاوز المكان الذي أمره به".
وفي "الأسئلة المقحمة" : كيف جاع موسى ونصب في سفرته هذه وحين خرج إلى الميقات ثلاثين يوماً لم يجع ولم ينصب قيل لأن هذا السفر كان سفر تأديب وطلب علم واحتمال مشقة وذلك السفر كان إلى الله تعالى انتهى والجملة في محل التعليل للأمر بإيتاء الغداء إما باعتبار النصب إنما يعتري بسبب الضعف الناشيء عن الجوع وإما باعتبار ما في أثناء التغدي من استراحة ما كما قال الكاشفي :(بيار طعام اشت مارا تا بخوريم كه كرسته شديم ودمى بر آساييم ون يوشع سفره يش آورد وقصه ما هي بيادش آمد).
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٢
﴿قَالَ﴾ فتاه ﴿أَرَءَيْتَ﴾ (خبردارى).
وقال ابن ملك هو يجيىء بمعنى أخبرني وهنا بمعنى التعجب ومفعوله محذوف وذلك المحذوف عامل في قوله :﴿إِذْ أَوَيْنَآ إِلَى الصَّخْرَةِ﴾ يعني عجبت ما أصابني حين وصلنا إلى الصخرة ونزلنا عندها ﴿فَإِنِّى نَسِيتُ الْحُوتَ﴾ أن أذكر لك أمره وما شاهدت منه من الأمور العجيبة ثم اعتذر بانساء الشيطان إياه لأنه لو ذكر ذلك لموسى ما جاوز ذلك المكان وما ناله النصب فقال :
٢٦٥


الصفحة التالية
Icon