﴿فَوَجَدَا عَبْدًا﴾ التنكير للتفخيم ﴿مِّنْ عِبَادِنَآ﴾ الإضافة للتشريف وكان مسجى بثوب فسلم عليه موسى وعرفه نفسه وأفاد أنه جاء لأجل التعلم والاستفادة.
والجمهور على أنه الخضر بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد وهو لقبه وسبب تلقيبه بذلك ما جاء في الصحيح أنه عليه السلام قال :"إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة بيضاء فإذا هي تهتز من خلفه خضراء" الفروة وجه الأرض اليابسة وقيل النبات اليابس المجتمع والبيضاء الأرض الفارغة لا غرس فيها لأنها تكون بيضاء واهتزاز النبات تحركه وكنيته أبو العباس واسمه بليا بباء موحدة مفتوحة ثم لام ساكنة ثم مثناة تحت ابن ملكان بفتح الميم وإسكان اللام ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن ارفخشد بن سام بن نوح.
قال أبو الليث : إنه عليه السلام ذكر قصة الخضر فقال :"كان ابن ملك من الملوك فأراد أبوه أن يستخلفه من بعده فلم يقبل وهرب منه ولحق بجزائر البحر فلم يقدر عليه" وتفصيله على ما في كتاب "التعريف والإعلام" للإمام السهيلي وهو أن أباه كان ملكاً وأن أمه كانت بنت فارس واسمها إلهاً وإنها ولدته في مغارة وأنه ترك هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية فأخذه الرجل فرباه فلما شب وطلب الملك أبوه كاتباً وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي نزلت على إبراهيم وشيث كان فيمن قدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه فلما استحسن خطه ومعرفته ونجابته سأله عن جلية أمره فعرف أنه ابنه فضمه لنفسه وولاه أمر الناس ثم إن الخضر فر من الملك وزهد في الدنيا وسار إلى أن
٢٦٧
وجد عين الحياة فشرب منها.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما الخضر ابن آدم لصلته ونسىء له في أجله حتى يكذب الدجال وفيه إشارة إلى أن لكل دجال في كل عصر مكذباً ومبطلاً لأمره، قال الحافظ :
كجاست صوفى دجال فعل ملحد شكل
بكوبسوزكه مهدىء دين ناه رسيد
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥
وأخرج عن ابن عساكر : أن آدم لما حضره الموت أوصى بنيه أن يكون جسده الشريف معهم في غار فكان جسده في المغارة معهم فلما بعث الله نوحاً ضم ذلك الجسد في السفينة بوصية آدم فلما خرج منها قال لبنيه : إن آدم دعا بطول العمر لمن يدفنه من أولاده إلى يوم القيامة فذهب أولاده إلى الغار ليدفنوه وكان فيهم الخضر فكان هو الذي تولى دفن آدم فأنجز الله ما وعده فهو يحيي ما شاء الله له أن يحيي.
قال في "فتح القريب" : ومن أغرب ما قيل : إنه ابن آدم لصلبه وقيل أنه من الملائكة وهذا باطل ومن أعجب ما قيل : إنه ابن فرعون صاحب موسى كما في "تواريخ مصر" وقيل أنه ابن خالة ذي القرنين كان في سفره معه وشرب من ماء الحياة مد الله عمره إلى الوقت المعلوم ولا بعد فإنه كان من بني آدم من يعيش ثلاثة آلاف سنة أو أكثر وقيل : إنه ابن عاميل بن شمالخين بن ارما بن علقما بن عيصو بن إسحاق النبي وكان عاميل ملكاً.
والجمهور على أنه نبي غير مرسل وعند الصوفية المحققين ولي غير نبي واختلفوا في حياته والأكثر على أنه موجود بين أظهرنا وهذا متفق عليه عند الصوفية لأن حكاياتهم أنهم رأوه في المواضع الشريفة وكالموه أكثر من أن يحصى نقله الشيخ الأكبر في الفتوحات المكية وأبو طالب المكي في كتبه والحكيم الترمذي في نوادره وغير ذلك من المحققين من سادات الأمة الذين لا يتصور اجتماعهم على الكذب والافتراء بمجرد الأخبار النقلية حاشاهم عن ذلك وقد ثبت وجوده فلا يكون عدمه إلا بدليل ولا دليل على موته ولا نص فيه من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا نقل أنه مات بأرض كذا في وقت كذا في زمن ملك من الملوك.
وفي "تفسير البغوي" : أربعة من الأنبياء أحياء إلى يوم البعث اثنان في الأرض وهما الخضر وإلياس أي : وإلياس في البر والخضر في البحر يجتمعان كل ليلة على ردم ذي القرنين يحرسانه وأكلهما الكرفس والكمأة واثنان في السماء إدريس وعيسى عليهما السلام.
وفي كتاب "التمهيد" لأبي عمر إمام الحديث في وقته أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم حين غسل وكفن سمعوا قائلاً يقول : السلام عليكم يا أهل البيت إن في الله خلفاً من كل هالك وعوضاً من كل تالف وعزاء من كل مصيبته فعليكم بالصبر فاصبروا واحتسبوا ثم دعا لهم ولا يرون شخصه فكانوا أي : الأصحاب وأهل البيت يرونه أنه الخضر.
وفي كتاب "الهواتف" أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء وذكر فيه ثواباً عظيماً ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة وهو "يا من لا يشغله سمع عن سمع ويا من لا تغلطه المسائل ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين أذقني برد عفوك وحلاوة مغفرتك".
قال الهروي : إن الخضر قد جاء النبي عليه السلام مراراً وأما قوله عليه السلام :"لو كان حياً لزارني" فلا يمنع وقوع الزيارة بعده.
قال في فصل الخطاب : إن الخضر قد صحب النبي عليه السلام وروى عنه أحاديث.
٢٦٨
جزء : ٥ رقم الصفحة : ٢٦٥


الصفحة التالية
Icon